عند تشكيل الحكومة، أي حكومة، يُمنح الرؤساء لقب «دولة»، الحق الحصري لمنح الالقاب واستردادها للملك، بموجب الدستور (المادة 37)، هؤلاء يصبحون رجال دولة، ومحسوبون على النظام السياسي، و يحتفظون بامتيازاتهم وألقابهم لآخر العمر، تَقلّب على هذا الموقع منذ 24 عاما 13 رئيسا (11 منهم أحياء)، ما يعني أن سلوكهم السياسي يجب أن يتطابق تماما مع سلوك الدولة، ونظامها السياسي، سواء أكانوا في مواقعهم الرسمية، أو تقاعدوا منها، فهم شركاء بكل إنجاز أو إخفاق.
يُفترض أن يشكل هؤلاء الرؤساء خزانات خبرة، أو مساند لصانعي القرار ومتخذيه، يفترض، أيضا، أن يزهدوا بمناصب الدنيا والغنائم، ويبتعدوا عن صالونات المناكفة والنميمة السياسية، وأن يُمثّلوا نماذج ملهمة للقيادات الشابة، كما لا يصح أن يتحولوا إلى طبقة معارضة للنظام السياسي الذي كانوا جزءا منه، أو أن « يشاغبوا» على زملائهم لتصفية حسابات بينهم، او أن يشككوا أمام الرأي العام بمصداقية المشروعات التي تطرحها الدولة، وإن كان لهم ملاحظات عليها، فلديهم قنوات خاصة، يمكن أن يستخدموها لإيصال ملاحظاتهم ورسائلهم.
ما يحدث في الواقع، أحيانا، يبدو مختلفا، بعض اصحاب الدولة تحولوا، بكبسة زر، إلى معارضين، بعضهم لا يتردد عن انتقاد النظام السياسي، أو التشكيك بمنظومة التحديث التي تشكل مشروعا للدولة، بعضهم يحرصون أن يكونوا ضيوفا (زبائن : ادق) دائمين على سفارات الأشقاء والأصدقاء، وصالوناتهم الأسبوعية، ( ولم يلتقطوا رسائل التنبيه من الدولة)، أما في الجلسات المغلقة فيحدث ما هو أكبر من ذلك، يكفي أن يأخذك النصيب لحضور وليمة سياسية لتسمع من بعض هؤلاء ما لم تسمعه من أشد المعارضين، أو أن يلوح بالافق تغيير للحكومة فتفاجئك المواقف بما لا يخطر على البال من انتقادات، وعروض العودة لإصلاح ما تم إفساده(!).
حين تداهمنا أي أزمة أو محنة، نسأل: أين الرؤساء، رجالات الدولة، فلا نجد معظمهم، لقد اختفوا من المشهد، أو اعتذروا عن عدم المشاركة، حين يبحث شبابنا عن نموذج ملهم، نفتش على رجالات الدولة لكي نقدمهم لهم، فترتد اسماؤهم إلى وجوهنا، حين تأخذنا الذاكرة إلى الماضي البعيد، حيث بعض رجالات الدولة الذين ما زلنا نحتفظ باسمائهم، ثم نسأل أين هم الآن ؟ لا نجد أية إجابة، تبدو المواقع أحيانا فارغة تماما، لا أحد يستطيع أن يملأها، وباستثناء الجاهات الاجتماعية، فإن الحضور في المجال العام السياسي والاقتصادي يبدو فارغا تماما من هؤلاء.
لا أعمم، بالطبع، لدينا رؤساء يتحدثون باسم الدولة، وتنسجم مواقفهم، باستمرار، مع النظام السياسي الذي كانوا جزءا منه، ولدينا آخرون انحازوا للصمت لأنهم شعروا أنهم غير مرغوب بهم، أو أن خدماتهم أصبحت غير مطلوبة، لكن هؤلاء قليلون للأسف، بالمقابل لدينا آخرون يعتقدون أن البلد مدين لهم بما قدموا وأنجزوا، وليس العكس، او أنهم لم يُنصفوا كما يجب، كما لدينا طبقة ثالثة تُوزّع مواقفها حسب الطلب، وتحفظ خطوط الرجعة. المشكلة دائما ان نصيب الدولة والمجتمع، بما لهما من مصالح عامة، في آخر اهتمامات معظم هؤلاء.
من حق الدولة التي منحت لقبها لهؤلاء الرجال (رجالها)، ولم تبخل عليهم بامتيازاتها، ان ينحازوا لها باستمرار، وأن لا يهربوا من أزماتها، او يعتذروا عن عدم مشاركتها مناسباتها، من حقها عليهم، أيضا، أن يظلوا ناطقين باسمها، حريصين على نظامها السياسي، واثقين بما تطلقه من مشروعات، ومدافعين عنها، وأن يعترفوا بأخطائهم، ويقدموا أنفسهم ملهمين للأجيال الشابة، لا أساتذة او منظرين عليهم، وإذا لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك، أو إن أرادوا أن يتخلوا عن واجباتهم و أدوارهم، فالأولى أن يتنازلوا للدولة على لقب «دولة « الذي منحته لهم، بما فيه من تكريم وامتيازات.
هل وصلت الرسالة ؟ أرجو ذلك.
(الدستور)