حوار الكرك .. أخطر ما فيه
محمد حسن التل
15-07-2023 04:29 PM
بداية هناك ملاحظة مهمة قدمها رئيس الوزراء بشر خصاونة اليوم أثناء حواره مع طلبة جامعات الجنوب في الكرك، تتعلق بتفسير الضمانة الملكية لمخرجات تحديث المنظومة السياسية، وتوضيح أن هذه الضمانة كانت ضمانة الملك بأن تسير هذه المخرجات بمسارها الدستوري دون إعاقة حتى تتحول إلى قوانين ملزمة للجميع، وكان هذا توضيح لا بد منه لأن الكثيرين يعتقدون أن الملك سيتدخل في تفاصيل تأسيس الأحزاب وشكلها وفكرتها، كذلك الانتخابات النيابية القادمة ستكون تحت ضمانته.
ربما فيما يتعلق بالانتخابات النيابية فيه نوع من الدقة، فالملك يضمن تطبيق القانون بحذافيره ونزاهة الانتخابات من خلال حكومته وأذرعها، فهو أوجد الأرضية اللازمة لحياة سياسية جديدة تؤسس لانطلاقة وطنية نحو تكريس الديمقراطية على صورتها الحقيقية التي يرنو لها الأردنيون، وبالتالي الكرة باتت في مرمى الأردنيين جميعهم، ليدفعوا نحو تحويل القوانين السياسية إلى واقع على الأرض، فكان هذا توضيح لا بد منه.
ولكن الأخطر في حوار الكرك والحوارات التي سبقته ظهور عدم ثقة مطلقة عند الشباب بفكرة الأحزاب، وأنهم يعتبرونها فرصة لكثير من المسؤولين السابقين لإعادة تدوير أنفسهم وإنتاج وجوههم من جديد، مما دفع الرئيس لدعوة المسؤولين السابقين أن يتراجعوا عن الصفوف الأولى وفسح المجال للشباب وللوجوه الجديدة، وهي دعوة تلامس مشكلة كل الأردنيين الذين ضجوا من تكرار الوجوه وتمسك أصحابها بكراسي الصف الأول، واليوم وجد هؤلاء في الأحزاب فرصة جديدة لإعادة التمترس، وللأسف معظم الأحزاب التي أسست مؤخرا يتصدرها هؤلاء، وبات الشباب مقتنعين أنهم سيكونون حطبا لوقود قدر هؤلاء حتى يعيدوا إنتاج أنفسهم، والأخطر من ذلك، أن هؤلاء، معظمهم يروجون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أنهم خيار الدولة، وهذه العلة بالذات تشكل عاملا رئيسيا في فقدان ثقة الأردنيين بكل توجه أو نية نحو التجديد، وتمكين العدالة على الساحة الأردنية بكل تفاصيلها.
دعوات كثيرة للشباب أن يتوجهوا للحياة الحزبية، ولكن قبل هذه الدعوات، يجب تهيئة الأرضية المناسبة لإقناعهم، ولا يأت هذا الإقتناع إلا بسياسات رسمية جديدة، تدفعهم بأن يغيروا نظرتهم إلى الأمور، والدعوة يجب أن يسبقها إشاعة حالة اطمئنان بينهم أن المنافسة مع الشد العكسي ستكون عادلة، ولن يأتي أحد من أقصى المدينة ليخربط الأوراق ليبقى الواقع كما هو، والساقية تدور في نفس الفراغ.
المخيف أن معظم الشباب في البلاد كما ذكرت لا زالوا غير مقتنعين بأن التجربة الحزبية الجديدة ستفتح لهم المجال ليكون لهم مكانة في المرحلة القادمةوهذا يهدد الفكرة والتجربة من اساسها، والأمر أبعد من ذلك، ليصل إلى فقدان الثقة بالكامل بهذه التجربة والإنكفاء عنها لأسباب الكل يعرفها، ويتحدث بها، كذلك المخزون الثقافي أزاء الأحزاب عند الأردنيين وبالذات الشباب كرس منذ أكثر من ستين عاما ثقافة سلبية، وثقافة رعب نتيجة موقف الدولة التاريخي منها، وهذا يتطلب جهدا كبيرا للتمكن من تجاوزها وإحلال ثقافة جديدة بدلا منها تكون محفزة نحو الحزبية، و لن يأتي هذا بيوم أو ليلة، فهو بحاجة إلى زمن طويل يبدأ من زرع الثقافة الحزبية في أذهان الطلبة منذ المراحل الدراسية الأولى حتى الجامعية، كما يجب أن يكون هنالك خطا موازيا لهذه الخطوة يتجلى بإعادة تثقيف المجتمع بأهمية الحياة الحزبية وأنها الطريق السليم والوحيد لإفساح المجال للمجتمع للمشاركة السياسية وأخذ الفرص بعدالة وإنصاف ، وأهم من ذلك كله إقناع الشباب أن الوطن لهم أيضا وأبوابه ليست مغلقة على فئة بذاتها.
اما الذين يريدون سلق التجربة بسرعة فأعينهم ليست على المسار الوطني، بل على كرسي النيابة أو الوزارة ويتناسون ان الحزبية ليست منصبا سياسيا فقط بل هي جهد وطني على كل المستويات وفي كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية ..
لذلك فاننا لا نخشى على التجربه إلا من هؤلاء..