كأنه يرسل تقريرا من الجبهة!
اللواء محمد البدارين
15-07-2023 11:00 AM
كلاهما بذل جهده، المذيع وضيفه ، لنزع فتيل الاثارة من المقابلة، لكن الموضوع يتعلق بالحالة الإعلامية واتجاهات الرأي العام في الأردن ، وكلا الرجلين ، المذيع عمر كلاب ، والضيف سمير الحياري، يمكن وصفهما بانهما قريبان من مؤسسات السلطة الرسمية، وحاولا فعلا الابتعاد عن الاثارة والتوتير، لكن القضية فرضت نفسها، فكان ان أدلى سمير الحياري بشهادته التي تكتسب أهمية استثنائية، لأنه من اكثر العارفين باتجاهات الرأي العام في البلاد، فهو في وسط المعمعة فعليا ساعة بساعة، ويدير (وكالة عمون) التي تحظى بمتابعة مليونية في داخل الأردن وخارجه ، فجاءت شهادته كتقرير هام من الجبهة، نقرأ فيه ما يلي :
•لا توجد سردية رسمية لدى الحكومة او الدولة ، لمواجهة طوفان وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يوجد مشروع للدولة يمكن قيادة الرأي العام من خلاله ، ولم يعد الخطاب الرسمي يحظى بأية متابعة تذكر ، فالرواية او الروايات الأخرى تفرض سيطرتها على الرأي العام ، اما لضعف الرواية الرسمية او لانعدام وجودها في اكثر الأحيان ، وبدون سردية رسمية ذات مصداقية وتستند لمعلومات حقيقية ودقيقة ومقنعة لا يمكن الانتصار في هذه المعركة ، ولا يمكن استبعاد وجود طرف او اطراف تستهدف تدمير البنى السياسية والاجتماعية في الأردن ، وتقود الناس نحو السلبية والمجهول ، وتركهم نهبا لمصادر التوجيه العشوائي ، وحين تغيب المؤسسات المعنية او تلوذ بالصمت ، ولا تخوض المواجهة عبر مقارعة الحجة بالحجة والرواية بالرواية ، فانها تعتبر شريكا للأطراف التي تغرق الناس بالإشاعات والاخبار الكاذبة.
• ان ما يسميه الحياري (لعن الواقع) هو السمة الرئيسية البارزة التي تسيطر على المزاج العام في الأردن، ويبدو ذلك واضحا من اهتمامات المتابعين لما ينشر، وما تتضمنه تعليقاتهم، وفي كثير من الأحيان تفوق اعداد المعلقين على خبر ما اعداد القراء، وتستحوذ على تعليقاتهم ومتابعاتهم الاخبار المثيرة وفيديوهات الغضب والثأر والانتقام، بينما لا تحظى الرواية الجادة باي اهتمام يذكر، ويبدو ان الناس يهربون من معاناتهم نحو قضايا قد تبدو صغيرة او تافهة، ومن السهل ان يحظى فيديو مثير او تعليق مختصر لناشط او ناشطة ما ، بمتابعات واسعة تصل حد التحول الى ترند في وسائل التواصل الاجتماعي، وإزاء هذا الوضع لم تعد الاجراءت الرسمية القديمة البالية بالمنع والحجب ذات جدوى، فالرواية الأخرى قد تمنع في وسيلة ما لكنها متاحة في وسائل وأدوات أخرى، ولا ينفع في هذه الحالة الا المواجهة بأدوات جديدة وفعالة تعتمد على المعلومات الصحيحة والدقيقة المقنعة.
• ان كرة الثلج تتدحرج وتتحول الى كرة نار في غياب مطبق للجهات الرسمية عن المشهد العام، وهذا شيء مقلق ، ولا احد يسأل او يهتم او يحاول الاستفادة من المنابر الإعلامية الوطنية للإسهام في ما يعتبر مواجهة مفتوحة تستدعي الحضور لا الغياب وعدم الاهتمام ، بشكل سمح للأطراف الأخرى من حسم معركة السيطرة على الرأي العام لصالحها، ولا يزال هناك من يتفرج ولا يفعل شيئا، والمتفرجون في هذه الحالة شركاء في عمليات التهديم الجارية للبنى الفكرية والاجتماعية للناس، بشكل يبعث على الحيرة والقلق والتساؤل.
• يضرب الحياري امثلة حقيقية وجديدة على بؤس التعاطي الرسمي مع القضايا التي تشغل الرأي العام، فقضية صناعة الكرسي تحولت الى مسخرة ونكتة في وسائل التواصل الاجتماعي، دون ان تبادر اية جهة رسمية للتوضيح، وكذلك الامر في ما يسمى قضية العطارات وما اثارته من ردود فعل سلبية واسعة، دون ان يصدر أي توضيح من قبل وزارة الطاقة ، والقضية الأخرى هي زيارة الوفد البرلماني الأردني الى السعودية، التي اثيرت حولها تساؤلات واسعة تتعلق بهدفها ونتائجها، بينما اكتفت الرواية الرسمية بخبر الزيارة دون اية تفاصيل عن الأهداف والنتائج.
• سواء قال الحياري اين الدولة ام لم يقل فإن هذا ما يفهمه المستمع، فالدولة في حالة غياب او هي تخلت عن واجباتها نحو الرأي العام ، بشكل مدمر للثقة بينها وبين الناس، والفجوة بين الطرفين آخذة في الاتساع الى حدود مخيفة، ويبدو ان لا احد يهمه من هذا الامر شيئا، وأدوات القوة الناعمة في البلاد خارج الخدمة، والرواية الرسمية ان وجدت لا تصمد امام الروايات الأخرى، وما لم تستعد الحكومة او الدولة زمام المبادرة وفق تدخل علمي ممنهج، فإنها تخسر المعركة او هي خسرتها.