ضيقو الأفق الذين ينظرون للأمور بنظارة أميركية منحرفة ومخيال هوليوودي أخرق، هل جربوا النظر للوضع بين روسيا وأوكرانيا بمنظور يختلف عن منظور الإعلام الغربي الموجّه؟!
ماذا لو كانت أوكرانيا بمثابة بيلاروسيا أخرى بالنسبة لروسيا؟!
ماذا لو بنت أوكرانيا علاقتها مع روسيا على أساس "الأخوة" و"وحدة المصير"؟!
كل المقوّمات "الثقافية" و"الاجتماعية" موجودة: الدين، اللغة، العادات، التقاليد، التاريخ،.. الخ.
هناك اختلافات قطعا، ولكن القطعي أكثر أنّ أوكرانيا والأوكرانيين أقرب في كل شيء إلى روسيا والروسيين من قربهم إلى ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا أو أميركا.
والأمر ذاته يسري بدرجات متفاوتة على عموم أوروبا الشرقية.
اقتصاديا وجيوبولوتيكيا، هل يمكن أن نتخيل مدى قوة تكتل اقتصادي/ سياسي/ عسكري يضم أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا (ومن لفّ لفيفهم) قياسا ببقية التكتلات والتحالفات المشابهة في العالم؟
الحديث هنا ليس عن إتحاد سوفييتي جديد أو إعادة إحياء الاتحاد السوفييتي القديم، الحديث هنا عن تكتل يقام وفق أسس الوضع الراهن وشروطه.
للغرابة، المتضرر الأول من أوكرانيا قوية بما تمتلكه من موقع ومساحة وتعداد سكاني وقاعدة زراعية وصناعية ليس روسيا، بل أوروبا!
مثل هذه الأوكرانيا تمتلك من المقومات ما يخوّلها في غضون سنوات أن تكون قوة عظمى، وربما القوة العظمى داخل أوروبا والاتحاد الأوروبي!
وفي المقابل، المستفيد الأول من أوكرانيا ضعيفة ومحطُمة هم الأوروبيون والغرب:
أولا أوكرانيا كمساحة عازلة من خراب وفوضى تفصل بينهم وبين الدب الروسي الذي يتمطّى اقتصاديا ولا يستطيعون هزيمته عسكريا.
وثانيا أوكرانيا كعملاق مشلول الأطراف ومقلّم الاظافر ومنهوب تربطه علاقة تبعية واستجداء وليس ندية واستحقاق مع أوروبا والغرب.
إصرار النظام السياسي الأوكراني على إدارة ظهره لروسيا، ومناصبتها العداء، والسعي بتذلل للانضمام إلى النادي الانجلو - سكسوني الغربي العنصري الحصري.. هذا الإصرار لا يمكن أن يبرره سوى الغباء الشديد، أو العمالة، والاحتمال الثاني أرجح من الأول!
من خلال الاجتماع الأخير لزعماء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من الواضح أن زعماء الحلف قد "قطعوا فيشة" كما نقول باللهجة الدارجة للرئيس الأوكراني "فلاديمير زيلينسكي" أو هم على وشك القيام بذلك، ليس بسبب فشله في الهجوم المضاد وتدمير روسيا، هل هناك عاقل كان يمكن أن يراهن على هزيمة روسيا على يد أوكرانيا! بل السبب هو نجاح "زلينسكي" المبهر في إتمام المهمة الحقيقية التي أتوا به من أجلها: تدمير أوكرانيا وجعلها لقمة سائغة ومستباحة!
لهذا السبب أتوا بالكوميديان/ المهرّج وجعلوه رئيسا!
كأنّنا مرة أخرى أمام سيناريو يشبه السيناريو السوري دون أن نتعلم الدرس: تفاهمات ضمنية أو "من تحت لتحت" قوامها ما لروسيا لروسيا، وما لأوروبا وأميركا لأوروبا وأميركا، والخاسر الأكبر دائما هي الشعوب التي تتباغض وتتناحر باسم عقائد محرّفة وقوميات شوفينية خرقاء مصنّعة داخل أروقة أجهزة استخباراتية بغيضة!