العنف في الجامعات .. من المسؤول ؟ (2)
الدكتور احمد القطامين
10-01-2011 02:20 PM
من خلال مقالتي حول العنف الطلابي التي نشرتها عمون الاسبوع الماضي حاولت بناء ارضية مناسبة لمعرفة الاسباب الكامنة وراء العنف الطلابي في الجامعات، وخلصت المقالة الى ان السبب الاكثر عمقا لهذه الظاهرة المقلقة هو سبب اجتماعي تربوي ثقافي بالدرجة الاولى، تتحمل اطراف عديدة مسؤوليته.
فالمجتمع لم يساهم في تنشئة أبناءه على اسس حداثية سليمة، فالتحق الطالب بالمدرسة ليواجه بيئة لا تختلف في شيء عما تعود عليه قبل دخوله المدرسة، فالمـدرس - نتيجة لأسباب كثيرة - لا يختلف عما عرفه الطالب في مكان سكنه من اشخاص، والمناهج التربوية تركز على تزويد الطالب بالمعرفة النظرية غير التطبيقية ولا مجال للحديث عن تنمية شخصية انسانية تفاعلية متوازنة لدى الطالب، والزملاء حوله يهيمون حبا وفخرا بانتماءاتهم الضيقة جدا او بانتماءاتهم الطبقية.
واخيرا انتقل الطالب الى الجامعة ليجد الاستاذ الجامعي لا يختلف عما رآه وعايشه من اشخاص، فوصل الى النتيجة المخيفة التي مفادها ان التعليم والتربية شيء والسلوك شيء اخر، وان الارتباط بينهما ليس ضروريا فتعمقت لديه قيم لا تتناسب مع وضعه الجديد كطالب جامعي.
يدعي البعض ممن تعودوا على اللجؤ الى اسهل الحلول للقضايا الشائكة ان سبب المشاجرات الطلابية هو الاختلاط بين الجنسين في الجامعات، وهذا الرأي يدخل في خانة كلمة الحق التي اريد بها باطل.. صحيح ان بعض المشاجرات الطلابية تتم على خلفية موضوعات من هذا القبيل، ولكن الاصح ان الاختلاط يجب ان يخلق اجواء تخفف كثيرا من الميول العنيفة لدى الطلبة الذكور بالذات، علما بان المشاجرات الطلابية لا تتم بين الطلبة الذكور فقط، فالاناث لهن دورهن في المشاجرات ايضا .. ولنا مثالا في الحادثة التي وقعت قبل عدة سنوات في احدى الجامعات الرسمية بين طالبتين والتي قام احد الطلبة بتصويرها بواسطة جهازه النقال ونشرها عبر الفضاء الالكتروني الى عدد كبير من الناس، وبين التصوير ان احدى الطالبات انقضت على زميلتها بضربات كارتيه بارعة وظلت توسعها ضربا حتى فقدت الوعي أمام اعين حشد ضخم من الطلبة الذين كانوا يصفقون ويهتفون ..
ان علينا ان ندرك ونحن نحاول إيجاد حلول لهذه الظاهرة ان الطالب جاء من المدرسة الى الجامعة مسلحا اصلا بالميل الى العنف والشجار والرغبة في حسم خلافاته مع الاخرين باسلوب البلطجة، بالاضافة الى ظاهرة اخرى تدميرية وهي العبث في الممتلكات العامة، لذلك عندما تحدث اية مشاجرة في اية جامعة يصب المتشاجرون جام غضبهم على الممتلكات الخاصة بالجامعة فيشرع طرفي الشجار في تدمير ما يعترض طريقهما من مقاعد او اشجار او زجاج.. الخ. اذن نحن امام مسألة تربوية لم يتمكن التعليم العام في المدارس من حسمها، فجرت عملية تصديرها الى الجامعات وظل الطالب حبيسا لقيم مجتمعية متزمته تفقده الحد الادنى من المواصفات الاكاديمية التي يجب ان يتحلى بها كطالب جامعي حتى يستطيع ان ينهل من المخزون المعرفي والمهاري في الحقل الذي يتخصص به.
ان التزمت ومنظومة القيم المحافظة التي تتسم بها فئات واسعة من المجتمع تحرم الطالب من الانتقال الوجداني الفعلي من مفهوم التعليم في المدرسة الى مفهوم الحياة الجامعية الذي هو بطبيعته، من حيث المبدأ، اكثر انفتاحا على حقائق الحياة وعلى معطيات التقدم ويضع على سلم اولوياته بناء الانسان الواعي القادر في المستقبل على المساهمة الفعالة في إيجاد حلول لمشاكل مجتمعه.
qatamin8@hotmail.com