الأحزاب الهلامية: "تحليل نقدي لتحدياتها وضرورة تجاوز النظرة الضيقة"
عون حسام أبورمان
12-07-2023 08:06 AM
تعد الأحزاب السياسية ركيزة أساسية في أي نظام ديمقراطي، حيث تلعب دورًا حيويًا في تشكيل السياسة واتخاذ القرارات. ومع ذلك، فإن هناك ظاهرة تنمو في الأونة الأخيرة تُسمى "الأحزاب الهلامية"، والتي تستحوذ على الانتباه وتحظى بتأييد جماهيري لافت. ولكن هل هذه الأحزاب تحمل فعلاً الفكر الحزبي الحقيقي وتمثل رؤية واضحة للمجتمع؟ أم أنها مجرد وسيلة لتلميع الشخصيات والترويج لصورة سطحية بدلاً من تحقيق التغيير الحقيقي؟..
بدلاً من التركيز على بناء قواعد الحزب ونشر الفلسفة الحزبية، تعمل الأحزاب الجديدة على استعراض الأشخاص والتسويق لهم بدلاً من تسليط الضوء على القضايا الرئيسية وتقديم الحلول الفعّالة. تُظهر هذه الظاهرة سطحية الرؤية الحزبية وتحويل السياسة إلى مجرد شخصيات ترويجية تُعبّر عن ذاتها بدلاً من تمثيل المصالح الحقيقية للمجتمع.
يثير هذا التطور السؤال حول نضج التركيبة السكانية حزبيًا وقدرة الأحزاب على تمثيل جميع شرائح المجتمع بشكل عادل وشمولي. فمنذ تعطيل العمل الحزبي في الأردن، تراجعت قدرة الأحزاب على التواصل مع الشباب والنساء والمجتمعات العرقية والمذهبية بشكل فعال. يتطلب إعادة بناء هذه الروابط وتعزيز الحضور الحزبي في كل فئات المجتمع جهودًا جادة لتجاوز هذا النقص.
بالإضافة إلى ذلك، تعد رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني وولي العهد الأمير حسين بن عبدالله بأنه تحدٍ آخر يستدعي الانتباه. فالرؤية التي تدعو إلى تمكين الشباب وإدخالهم الحياة السياسية والقرار السياسي تعتبر رؤية مستقبلية متطلبة لبناء جيل جديد من القادة والمبدعين في المجتمع. ومع ذلك، يبدو أن بعض مؤسسي الأحزاب لا يلتزمون بتلك الرؤية ولا يعملون على تحقيقها بالشكل المطلوب.
لا ينبغي أن تكون الحياة الحزبية مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة السياسية والترويج للشخصيات السياسية. بل يجب أن تكون معتقدًا حقيقيًا ومبدأ يعكس قناعات الأفراد ومصداقيتهم. إن نقد هذه النظرة الضيقة للحياة الحزبية يسعى إلى تحقيق تغيير حقيقي في ثقافة العمل السياسي وإعادة توجيه الأحزاب نحو القضايا الأساسية والتحديات الحقيقية التي يواجهها المجتمع.
من خلال هذا التحليل النقدي، يتضح أن هناك حاجة ملحة لإعادة تقييم الأحزاب اليافعة وتوجيهها نحو المسار الصحيح. يجب أن يكون الحزب أكثر انفتاحًا وشفافية وأن يعمل على تعزيز قيم الديمقراطية والشمولية. يتطلب ذلك تفعيل دور الشباب وتمكينهم من المشاركة الفعالة في صنع القرارات وتحقيق التغيير المطلوب.
اولاً: عدم نضوج التركيبة السكانية حزبيًا
تطرح الأحزاب السياسية في الأردن تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بالنضج الحزبي والتواصل الفعّال مع شرائح المجتمع المختلفة. منذ تعطيل العمل الحزبي لفترة طويلة في الأردن، انقطعت الروابط بين الأحزاب والشباب والنساء والمجتمعات العرقية والمذهبية. هذا الانقطاع أدى إلى عدم تمثيل شرائح المجتمع بشكل كافٍ داخل الأحزاب وتقييد قدرتها على توصيل رسائلها وتلبية احتياجات الناس.
لتجاوز هذا التحدي، يجب أن تعمل الأحزاب على إعادة بناء الروابط وتعزيز التواصل مع جميع فئات المجتمع. ينبغي أن يكون هناك تركيز كبير على إشراك الشباب في الحياة الحزبية ومنحهم الفرصة للتعبير عن آرائهم وتلبية احتياجاتهم. يجب أن يكون هناك أيضًا توجيه خاص لتمكين النساء من الانخراط الفعال في الأحزاب وتعزيز دورهن في صنع القرارات السياسية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون الأحزاب حساسة للتنوع العرقي والمذهبي في المجتمع الأردني. ينبغي أن يكون هناك تمثيل عادل وشمولي لجميع المجموعات العرقية والمذهبية داخل الهياكل الحزبية. يعتبر التنوع والشمولية أساسًا لبناء مجتمع موحد ومزدهر، ويساهم في تعزيز الثقة بين الأحزاب والشعب.
لتحقيق ذلك، يجب أن تتخذ الأحزاب إجراءات فعلية لإشراك الشباب والنساء والمجتمعات العرقية والمذهبية في عملية صنع القرارات. يمكن تنفيذ ذلك عن طريق توفير برامج تدريبية وورش عمل تهدف إلى تعزيز المشاركة السياسية وتطوير مهارات القيادة لهذه الفئات. ينبغي أيضًا أن تُقدَّم فرص ترقية داخل الأحزاب وتعيين الشباب والنساء وأعضاء المجتمعات العرقية والمذهبية في مناصب قيادية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك جهود لتعزيز الشفافية والمساءلة داخل الأحزاب. يجب أن يكون هناك نظام شفاف لاتخاذ القرارات وتوزيع الموارد وإدارة الأموال الحزبية. ينبغي أن تكون هناك ميكانيزمات لمراقبة وتقييم أداء الأحزاب وتقدير مدى تحقيقها لأهدافها السياسية وتلبية مطالب الشعب.
من خلال التركيز على نضوج التركيبة السكانية وتعزيز الشمولية والمشاركة السياسية، يمكن للأحزاب تجاوز عجزها الحالي وبناء قواعد قوية تمثل مصالح المجتمع بشكل فعّال. إن تجاوز هذا التحدي سيسهم في تعزيز الديمقراطية وبناء مستقبل مزدهر للأردن.
ثانياً: عدم اتباع مؤسسي الأحزاب رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني وولي العهد
في ظل التحديات التي يواجهها المجتمع الأردني، قدم جلالة الملك عبدالله الثاني وولي العهد الأمير حسين بن عبدالله رؤية تدعو إلى تمكين الشباب وإدخالهم الحياة السياسية والقرار السياسي. إن هذه الرؤية تعكس حاجة الأردن إلى بناء جيل جديد من القادة والمبدعين الذين يسهمون في تحقيق التنمية والتغيير الإيجابي.
ومع ذلك، فإن هناك بعض مؤسسي الأحزاب الذين لا يلتزمون بتلك الرؤية ولا يعملون على تحقيقها بالشكل المطلوب. بدلاً من تمكين الشباب وإشراكهم في صنع القرارات، يستمرون في الاحتفاظ بالسلطة والتحكم الكامل في عمل الحزب. هذا يعكس نقصًا في التجديد والاستجابة للتحديات المعاصرة، ويعيق تطور الحزب وتأثيره الإيجابي على المجتمع.
لتجاوز هذا العائق، ينبغي على مؤسسي الأحزاب أن يكونوا روادًا في تحقيق رؤية جلالة الملك وولي العهد. يجب أن يكونوا قادة يسعون لتطبيق نهج التمكين وإشراك الشباب في عملية صنع القرارات وتحقيق التغيير الإيجابي. يجب أن يعترفوا بأن الشباب هم القادة القادمون وأنهم يجب أن يتمتعوا بفرص متساوية للمشاركة السياسية وتحقيق طموحاتهم.
علاوة على ذلك، ينبغي أن يكون للمؤسسين الحزبيين رؤية واضحة للمستقبل وأهداف تتماشى مع رؤية جلالة الملك وولي العهد. يجب أن يكون لديهم القدرة على التكيف مع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوجيه الأحزاب نحو القضايا الرئيسية التي تؤثر في حياة المواطنين. يجب أن يعملوا بجدية على تحقيق التغيير وتحسين أوضاع الشعب.
لتحقيق ذلك، يجب أن يكون هناك آليات لتقييم ومراقبة أداء المؤسسين الحزبيين وتقدير مدى تحقيقهم لأهداف الحزب والرؤية العامة. ينبغي أن يكون هناك نقاش مستمر ومناقشة بناءة داخل الأحزاب لتوجيهها نحو التحول والتطور. يجب أن يتم تعزيز التواصل بين المؤسسين وأعضاء الحزب والمجتمع بشكل عام لتحقيق التوافق والشراكة في بناء المستقبل.
من خلال اتباع رؤية جلالة الملك وولي العهد، يمكن للأحزاب أن تستعيد مكانتها كقوة فاعلة في المجتمع وتحقق النتائج المرجوة. ينبغي على مؤسسي الأحزاب أن يكونوا قادة حقيقيين يسعون لتحقيق الصالح العام وتمثيل مصالح الشعب بدقة وأمانة.
ثالثاً: عدم النظرة إلى الحياة الحزبية كأسلوب حياة ومعتقد حقيقي
غالبًا ما يُنظَر إلى الحياة الحزبية على أنها مجرد وسيلة لخوض الانتخابات النيابية ودخول الحياة السياسية، ولا يُعتَبَر كأسلوب حياة أو معتقد حقيقي. يرتبط الانخراط في الأحزاب بالتقديم على المناصب السياسية وتحقيق المصالح الشخصية، ويتجاهل التزام حقيقي بالقضايا السياسية والمبادئ التي يؤمن بها الفرد.
يجب أن نتساءل: هل يكفي أن نرى الحياة الحزبية كوسيلة لتحقيق المصالح الشخصية فقط؟ أليس من الأفضل أن ننظر إليها كأسلوب حياة ومعتقد حقيقي يمثل قناعاتنا وقيمنا؟
بالنظر إلى الحياة الحزبية كأسلوب حياة، يتطلب منا التزامًا شخصيًا بالقضايا والمبادئ التي تهمنا. يجب أن نعترف بأن السياسة ليست مجرد معركة للسلطة والمناصب، بل هي فرصة لتحقيق التغيير والتأثير الإيجابي في المجتمع. يجب أن نعمل على تحقيق التوازن بين مصلحتنا الشخصية والمصلحة العامة، وأن نعمل على تحقيق المبادئ الأخلاقية والعدالة الاجتماعية.
علاوة على ذلك، يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نسأل: هل نؤمن حقًا بالأفكار والقيم التي تتبناها الأحزاب التي ننضم إليها؟، هل نعمل بجدية على تحقيق تلك القيم وتطبيقها في حياتنا السياسية والعامة؟، يجب أن نتجاوز الانتماء السطحي ونكون مناضلين حقيقيين للقضايا التي نعتقد فيها، وأن نسعى لتحقيق التغيير الإيجابي بشكل فعّال.
بناءً على ذلك، يجب على الأحزاب أيضًا تعزيز هذه النظرة الجديدة للحياة الحزبية. ينبغي أن توفر الأحزاب بيئة داخلية تشجع الأعضاء على اعتبار الحزب كأسلوب حياة ومعتقد حقيقي. يجب أن توفر فرصًا للتعلم والنقاش وتطوير القدرات لتعزيز التفاعل والتفاهم العميق بين الأعضاء. ينبغي أن تكون هناك رؤية مشتركة وقيم مشتركة توجه عمل الحزب وتلهم الأعضاء.
من خلال النظرة الجديدة للحياة الحزبية كأسلوب حياة ومعتقد حقيقي، يمكن للأحزاب أن تكون أكثر تأثيرًا ومصداقية في المجتمع. سيتم التطرق إلى النقاط المتبقية في الأجزاء القادمة وتوضيح كيف يمكن تحقيق هذا التغيير المطلوب.
رابعاً: استنتاجات وتوصيات
بناءً على التحليل النقدي للأحزاب الركيكة وتحدياتها المطروحة، يمكن استخلاص عدة استنتاجات وتوصيات تهدف إلى تعزيز الحياة الحزبية والمساهمة في تطوير المشهد السياسي في الأردن.
أولاً، ينبغي على الأحزاب الهزيلة أن تعتمد رؤية واضحة تركز على القضايا الرئيسية وتوفير الحلول الفعالة لهذه القضايا. يجب أن يتم توجيه الجهود نحو تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع وتحسين أوضاع المواطنين، بدلاً من التركيز على التسويق للشخصيات السياسية.
ثانيًا، يجب تعزيز التواصل والتفاعل بين الأحزاب وشرائح المجتمع المختلفة. ينبغي تمكين الشباب والنساء والمجتمعات العرقية والمذهبية من المشاركة الفعّالة في عملية صنع القرارات وتشكيل السياسة. يجب أن تكون هناك آليات فعالة للاستماع إلى أصوات الناس وتلبية احتياجاتهم.
ثالثًا، يجب أن تتبنى الأحزاب رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني وولي العهد الأمير حسين بن عبدالله المتعلقة بتمكين الشباب وإدخالهم الحياة السياسية. يجب أن يكون لديهم التزام حقيقي بتحقيق تلك الرؤية وتمكين الشباب من العمل السياسي والقرار السياسي.
رابعًا، ينبغي أن ننظر إلى الحياة الحزبية كأسلوب حياة ومعتقد حقيقي يمثل قناعاتنا وقيمنا. يجب أن نكون مناضلين حقيقيين للقضايا التي نعتقد فيها، وأن نسعى لتحقيق التغيير الإيجابي بشكل فعّال ونلتزم بالمبادئ الأخلاقية والعدالة الاجتماعية.
باختصار، يجب أن تكون الأحزاب السياسية أكثر تركيزًا على المصلحة العامة وأكثر تواصلًا مع الشعب. يجب أن يكون لديهم رؤية واضحة وقيادة قوية لتحقيق التغيير المطلوب وتمثيل مصالح المجتمع بشكل فعّال.
من خلال تبني هذه التوصيات وتحقيقها، يمكن تحسين الأحزاب الجديدة وتعزيز دورها في بناء مجتمع مزدهر وتحقيق التنمية المستدامة في الأردن.
أدام الله علينا نعمة الأمن والأمان وأن يبقى الوطن عزيزاً قوياً بشعبه وقيادته الهاشمية الملهمة وسيد البلاد المفدى و ولي عهده الأمين أمل الشباب وداعمهم.
المحامي المتدرب
عون حسام أبورمان