مؤتمر اليونسكو للدراية الإعلامية والمعلوماتية في عمان
السفير الدكتور موفق العجلوني
11-07-2023 08:13 PM
تستضيف المملكة الأردنية الهاشمية مؤتمر "الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية وأجندة الشباب" خلال الفترة من ٢٤-٣٠ من شهر تشرين الأول المقبل وبتنظيم من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) وبالشراكة مع وزارة الاتصال الحكومي. حيث تم تفوّيض معالي وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد فيصل الشبول، بإتمام إجراءات اتفاقية المؤتمر بين اليونسكو والحكومة الأردنية، والسير بإجراءات تشكيل فرق الخبراء واللجان الفنية والإدارية. وستبدأ عملية التحضير للمؤتمر بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات المعنية ومنظمة اليونسكو، حيث سيشارك فيها ما يزيد على ٨٠٠ مشارك من مختلف دول العالم، من شخصيات إعلامية وخبراء بالإعلام الحديث، وخبراء بالدّراية الإعلامية، ومختصين بالموضوعات التي يتناولها المؤتمر خلال جلساته.
ويحمل المؤتمر مضامين خاصة بالدّراية الإعلامية وأجندة شبابية، وخاصة ان للأردن تجربة رائدة على المستوى العربي في الجانب المتعلق بالتربية الإعلامية، والتي ستتضمنها بعض المواد الدراسية وهذه التجربة مميزة سيتم الحديث عنها خلال المؤتمر، كما ان الأردن يملك تجربة هامة على مستوى التعليم العالي فيما يخص الدّراية الإعلامية والتربية الإعلامية من خلال ما يقوم به معهد الإعلام الأردني، وكليات الصحافة والاعلام في جامعاتنا الاردنية وأكاديمية الملكة رانيا العبد الله لتدريب المعلمين، ومؤسسة سمو ولي العهد. إضافة إلى المشاركات عبر تقنية الاتصال المرئي (عن بعد) . وهذه فرصة هامة للأردن لاطلاع دول العالم على التجربة الأردنية الرائدة في مجال الدراية الإعلامية والتربية الإعلامية والمعلوماتية.
وأن اختيار اليونيسكو لعقد مؤتمرها الدولي بمناسبة الأسبوع العالمي للدِّراية الإعلاميَّة والمعلوماتيَّة، في المملكة مسألة هامة للأردن، وتتيح فرصة لتقديم التجربة الأردنية فيما يخص الدراية الإعلامية والتي نملك بها تجربة رائدة وهامة، كما تشكّل فرصة للاستفادة من تجارب عدد من دول العالم بهذا المجال.
سيتناول المؤتمر عدة محاور مثل: التحديات التي تواجه الدراية الإعلامية في عصر الإعلام الرقمي، والانتشار السريع للأخبار المزيفة والتضليل الإعلامي والاختراق السيبراني والخصوصية، إضافة إلى دور التعليم في تعزيز الدراية الإعلامية لدى الأفراد، وتحسين القدرة على التفكير النقدي والتقييم الذاتي للمعلومات.
ويعدّ "الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية "، الذي يقام سنوياً فرصة هامة لاستعراض التقدّم المُحرز نحو ضمان انتفاع الجميع بـ "الدراية الإعلامية والمعلوماتية" والاحتفاء به.
وتدعو دائماً اليونسكو الى إقامة الشراكات بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية جميع الشركاء في كل أنحاء العالم للترويج لهذا الأسبوع. إذ يدعو الأسبوع العالمي وفعاليتيه الرئيستين، وهما المؤتمر الدولي للدراية الإعلامية والمعلوماتية، والحوار بين الثقافات ومنتدى جدول أعمال الشباب، إلى تنظيم فعاليات محلية أيضاً، وذلك من أجل الترويج لأهمية الدراية الإعلامية والمعلوماتية في مختلف المجالات والمهن.
ويركز الأسبوع العالمي اهتمامه هذا العام على المواطنين في العصر الرقمي، إذ تزوّد الدراية الإعلامية والمعلوماتية المواطنين بمجموعة من المهارات الأساسية اللازمة للتعلم مدى الحياة، والعمل وكذلك لجميع جوانب الحياة الأخرى. ويتميّز المواطنون المُسَّلحون بهذه المهارات بأنهم واعون، ومشاركون في الشأن العام ومُتمكِّنون، وكذلك بقدرتهم على إدراك مخاطر التضليل الإعلامي ودوامة الكراهية والإقصاء. اذ يكفل تعزيز الحوار بين الثقافات وبين الأديان المختلفة بواسطة وسائل الإعلام ونظم المعلومات الحرة والمستقلة والتعددية من خلال تعزيز وعينا بهذا التنوع، وبالتالي إثراء منظورنا للعالم من حولنا، ناهيك عن تحسين فهمنا للآخرين ولذواتنا في آن معاً. وبالتالي تكفل هذه المهارات تمكين المواطنين، وخصوصاً فئات الشباب والمسنين والمهمشين، إيصال المزيد من الأصوات وإعلائها، الأمر الذي يؤدي إلى شمولهم بالتطور الرقمي وحصولهم على المزيد من الفرص.
ومن المتوقع ان يناقش المؤتمر في الاردن تعزيز التعاون الدولي والإقليمي في مجال الدراية الإعلامية وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة، ودور الإعلام في تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة، ودعم المساءلة والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى تبادل المعرفة والخبرات حول الابتكارات التقنية والإعلامية وتحديث الاستراتيجيات والأدوات اللازمة للتعامل مع التحولات الرقمية الحاصلة في عالم الإعلام، إذ من المتوقع أن يسهم المشاركون في المؤتمر بمقترحات وأفكار جديدة لتعزيز الدراية الإعلامية والإعلام المسؤول في العالم.
يشهد الناس في جميع أنحاء العالم في وقتنا الحاضر نموّاً كبيراً في مجال الانتفاع بالمعلومات والاتصالات. في حين أنّ البعض يحصل على كم كبير من المعلومات عبر المضامين المطبوعة والرقمية أو البث الإذاعي والتلفزيوني، إلّا أنّ البعض الآخر محرومين من مثل هذه المعلومات. وبالتالي، تجيب الدراية الإعلامية والمعلوماتية على العديد من الأسئلة التي قد تراودنا جميعاً في هذا الخصوص، مثل: كيف يمكننا الحصول على المعلومات والبحث عنها وتقييمها بصورة نقدية، واستخدام المضامين والإسهام في إنتاجها بحكمة، سواء عبر شبكة الإنترنت أو عبر الوسائل الأخرى. ولكن ما هي الحقوق التي نتمتع بها سواء على شبكة الإنترنت أو غيرها من المنابر الإعلاميّة؟ ما هي المسائل الأخلاقية التي ينطوي عليها مجال تقديم المعلومات واستخدامها؟ كيف يمكننا الإسهام في وسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات للنهوض بأوجه المساواة وتعزيز الحوار بين الثقافات وبين الأديان، والسلام وحرية التعبير والانتفاع بالمعلومات.
من هنا تدعم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، من خلال توفير الموارد اللازمة لبناء المهارات، التي تضم وضع المناهج الدراسية، والمبادئ التوجيهية المعنية الخاصة بالسياسات وصياغتها، والأطر التقييمية، تطوير مهارات الدراية الإعلامية والمعلوماتية لدى الناس. وتوفّر أيضاً دروساً مجانية ومتاحة للجميع للتعلم الذاتي في كل ما يتعلّق بالدراية الإعلامية والمعلوماتية. وتسهم المنظمة، من خلال وسائل الإعلام وتكنولوجيات المعلومات، في تيسير الربط الشبكي والبحوث من خلال التحالف العالمي للشراكات المتعلقة بالدراية الإعلامية والمعلوماتية والشبكة الجامعية للدراية الإعلامية والمعلوماتية.
بنفس الوقت تدعم اليونسكو تطوير كفاءات الدراية الإعلامية والمعلوماتية بين الناس من خلال موارد بناء القدرات، من مثل تطوير المناهج وكذلك المبادئ التوجيهية للسياسة العامة واطر التقييم.
بيد أننا أمام واقع أليم يتمثل في تضاؤل قيمة الثقة. وهذه مناسبة وفرصة سانحة بانعقاد مؤتمر "الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية " في الأردن، لتوجيه دعوة للمجتمع العالمي لتأكيد الالتزام بمبادئ الدراية الإعلامية والمعلوماتية والتشديد على الالتزام بها، وإلى تطوير مبادرات جديدة بشأن الدراية الإعلامية والمعلوماتية بما يخدم تعزيز قيمة الثقة. وبالتالي مؤتمر عمان سوف يركز على المسائل المتعلقة بالثقة والتضامن فيما يخص الناس ووسائل الإعلام والمنصات الرقمية والحكومات والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية. كما سوف يسلط الضوء على بعض الإجراءات الواعدة التي اتخذت في مجال الدراية الإعلامية والمعلوماتية خلال العام الماضي، ويبين كيفية اسهام تلك الدراية في تعزيز الثقة والتصدي لعواقب غيابها.
من هذا المنطلق، يمثل الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية لهذا العام عنصرا هادفا وحاسما في التشديد على ضرورة تعزيز مكانة الدراية الإعلامية والمعلوماتية في خطة التنمية الدولية، والتعجيل بوتيرة هذا الأمر. وسيهدف هذا" الأسبوع" إلى حفز إدماج الأنشطة المتعلقة بالدراية الإعلامية والمعلوماتية في التقويم العالمي السنوي من خلال مشاركة أعداد من كافة القطاعات. كما يرمي كذلك إلى تمهيد السبيل إلى تحقيق نمو هائل في السنوات المقبلة فيما يتعلق بالاحتفال به، بفضل تحقيق انتشار جغرافي وإقامة عدد من الأنشطة لم يسبق لهم مثيل خلال الأعوام السابقة. بيد أن كل ذلك لا يُغني عن ضرورة السعي إلى تضافر الجهود.
وقد كان الأردن سباق في مجال الدراية المعلوماتية من خلال معهد الاعلام الأردني، حيث اختتم معهد الإعلام الأردني مؤخراً مشروع تدريب معلمين وأعضاء هيئات تدريسية في الجامعات على التربية الإعلامية والمعلوماتية، بالتعاون مع وزارة الثقافة وصندوق الحسين للإبداع والتفوق، ضمن الخطة التنفيذية للمبادرة الوطنية لنشر التربية الإعلامية. حيث تم التركيز على نشر الثقافة في المجتمع ببعدها الأفقي، وضرورة تعميق الفهم للقيم الوطنية الأردنية، ليس فقط على المستوى الأكاديمي والمعرفي فقط، بل على المستوى العاطفي والسلوكي أيضا. لان الجميع شركاء في بناء العقلية النقدية، ورفع سوية القطاع العام، مشيراً إلى أهمية الإعلاميين كشركاء بجانب المعلمين، لتعزيز ونشر هذه الثقافة التكاملية بما يسهم في بناء الحضارة الإنسانية.
ومن الجدير بالذكر فقد انضم الأردن إلى منظمة اليونسكو في ١٤/٦/١٩٥٠، من أجل النهوض بأهداف السلام الدولي والرفاه المشترك للبشرية، من خلال العلاقات التعليمية والعلمية والثقافية مع شعوب العالم . وقد مر على الأردن خلال فترة انضمامه لمنظمة اليونسكو في شهر حزيران من العام ١٩٥٠، محطات مضيئة وحقق نتائج إيجابية عززت من مكانته الدولية، لا سيما أن الأردن يمتاز بتراث حضاري وثقافي غني وفريد. حيث احتفل الأردن، هذا العام بمرور ٧٣ عاماً على انضمامه للمنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، كما احتفل بمرور ٥١ عاماً على اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي.
هذا و قد تشرفت بالعمل لدي منظمة اليونسكو في باريس خلال الاعوام ١٩٨٩-١٩٩٣، حيث كنت نائب السفير وعضو الوفد الأردني الدائم لدى اليونسكو ،وكانت حقيقة تجربة غنية ، و حضور اردني مشرف و خاصة من خلال المشاركات من قبل الوفود الاردنية و على رأسهم سمو الامير الحسن حفظه الله و دولة الدكتور عبد السلام المجالي رحمه الله ووزراء التربية والتعليم ، و اخص هنا بالذكر الدور غير المسبوق لعطوفة الدكتور ذوقان عبيدات المستشار الثقافي في السفارة الأردنية في باريس ونائب المندوب الأردني الدائم لدى اليونسكو في تلك الفترة .
مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me