هناك حالة من عدم التوازن بين المساحة والسكان في أقاليم المملكة الثلاثة ، فالعلاقة بينهما عكسية ، وكلما صغرت المساحة ارتفع عدد السكان والعكس بالعكس ، الأمر الذي يجعل التخطيط الاقتصادي والاجتماعي عملية صعبة ، وكذلك تخصيص الموارد بقدر من العدالة.
إقليم الوسط مثلاً ، الذي يضم العاصمة والبلقاء والزرقاء ومأدبا لا يشغل سوى 2ر16% من مساحة المملكة ، ولكنه يؤوي 4ر60% من السكان. وإقليم الجنوب الذي يضم الكرك ومعان والطفيلة والعقبة ، يشغل 2ر51% من مساحة المملكة ولا يعيش فيه سوى 1ر10% من السكان ، ولا يتحقق قدر من التناسب إلا في إقليم الشمال الذي يضم إربد والمفرق وجرش وعجلون ، حيث يشكل ثلث المساحة ويعيش فيه حوالي ثلث السكان.
توزيع موازنة الدولة المركزية على الأقاليم ليس منطقياً ، فهو يخلق إشكالية لا حل لها ، وسيعتبر كل إقليم نفسه مظلوماً بأحد المقاييس ، فالجنوب سوف يتحدث عن المساحة التي تتطلب طرقاً طويلة ومرافق عديدة ، والوسط يتحدث عن السكان الذين يحتاجون لمرافق تقدم الخدمات ويرى أن المخصصات يجب أن تتناسب مع عدد السكان ، والشمال ما زال يعتبر نفسه مغبوناً بجميع المقاييس.
مطلوب قدر من الهندسة السكانية ، ليس عن طريق تقييد أو تحديد حركة السكان ، بل بواسطة إعمار الجنوب ليصبح جاذباً للسكان بدلاً من أن يظل طارداً لهم. وعلى الأقل لإغراء سكان الجنوب بالبقاء على أرضهم.
إعمار الجنوب ليس مسألة عدالة في التوزيع بل ضرورة إستراتيجية ، فوادي عربة يتمتع بالخصوبة والمياه والموقع الحساس ، ويجب أن يكون مسكوناً بكثافة وعلى نطاق واسع.
أراضي الجنوب ليست صحراء بل بادية ، ولا ينقصها سوى الماء لكي تزهر وتوقف زحف الصحراء وتدفعها إلى الخلف ، فهل ينجح مشروع قناة البحرين الأحمر/ الميت بتوفير المياه وإحياء نصف مساحة المملكة؟ إذا كان الأمر كذلك فإن هذا المشروع يستحق المخصصات المالية.
فيما عدا وادي الأردن ، لم تعد الأرض الزراعية مصدراً أساسياً للعمل والدخل ، وزال سبب ازدحام القرى والسكان حول البقعة الخصبة الصغيرة في الشمال ، وجاء وقت بناء المدن في المساحات الواسعة وليس في إقليم الوسط المزدحم بالسكان.
(الرأي)