لم يكن بنيامين نتنياهو بحاجة لضغط سياسي من حلفائه المتطرفين في الحكومة ليأخذ القرار بالعدوان على محيم جنين ، فهو يدرك ان عملا متطرفا ودمويا من هذا النوع سيخدمه شخصيا باتجاهين :
الاول : تحويل الانظار عن قضية التعديلات القانونية التي مازالت تعد القضية الاخطر لدى الجمهور العلماني داخل دولة الاحتلال .
الثاني : تعزيز صورته لدى الجمهور اليميني المتطرف كرئيس وزراء قوى في مواجهة ما يسمى " بالارهاب " .
وبالمحصلة باع نتنياهو شركاءه قرار الهجوم على مخيم جنين وأشعرهم انه اتخذ القرار بعد اخذ ورد وجدل مع المؤسسة العسكرية .
عملية " بيت وحديقة " كما اطلق عليها لم تحقق الانتصار للاحتلال ، و لم تلحق الهزيمة بالمقاومة ، العملية وقياسا بالحجم اللوجيستي وقوة النيران المستخدمة من قبل جيش الاحتلال ( مشاركة 1000 جندي اسرائيلي ، استخدام سلاح الجو ، استخدام المسيرات الذكية والانتحارية ، ومشاركة كل صنوف الجيش والاجهزة الامنية بالعملية التي سارع الاحتلال الى انهائها خلال 48 ساعة لكي لا يتورط بحجم خسائر بالارواح او وقوع جنوده في الاسر ) قد تعد اخفاقا ، فقد اخذت طابعا تدميريا بحتا لايقاع اكبر ضرر ممكن في المخيم وبنيته التحتية المتهالكة وسكانه من اجل كسر ارادة سكان المخيم واضعافه بصورة كبيرة " كبيئة حاضنة للمقاومة " ، وهو امر سرعان ما اتضح انه مجرد وهم وغباء استراتيجي ، فهذا المخيم بات رمزا للصمود والتضحية ، حيث انه وبعد 21 عاما من صموده امام " الجرافة ارئيل شارون " وعملية السور الواقي ، يعود مرة اخرى كاحد اكبر التحديات الامنية للاحتلال .
وفي كل الاحوال فقد انتجت معركة مخيم جنين عددا من الحقائق باتت ملموسة ومن اهمها على صعيد الاحتلال ما يلي :
• تعزيز الدور السياسي لليمين المتطرف وتحديدا في فرض ارادته على المؤسسة العسكرية – الامنية حيث كانت تلك المؤسسة متحفظة لدرجة كبيرة على العملية ، واذعان " العسكر بهذا الشكل للمستوى السياسي " المتطرف " تعد حالة من الحالات القليلة وهو ما ينذر بمزيد من التقسخ في دوائر صنع القرارات الاستراتيجية داخل الاحتلال .
• تعزيز دور نتنياهو في نظر الجمهور الاسرائيلي كرئيس للوزراء قادر وقوى وفقا لاستطلاعات الراي مقابل تراجع مكانة غانتس في تلك الاستطلاعات .
• موت شبه كامل لما يسمى بقوى اليسار الاسرائيلي وقوى السلام وتقليص فاعليتها في التصدي لعنصرية الاحتلال .
على الصعيد الفلسطيني ما يلي :
• تآكل صورة السلطة الفلسطينية كسلطة وطنية بشكل مريع لدى الجمهور الفلسطيني وتعزيز صورتها كسلطة تابعة للاحتلال وذلك وفقا لاستطلاعات الراي الاخيرة ( استطلاع مركز خليل الشقاقي ) .
• تزايد الشعور الجماهيري لدى الشارع الفلسطيني بغياب الرئيس عباس ودوره في المنعطفات الوطنية الحادة كمعركة جنين وغيرها ( 88 عاما ) ، وتزايد الخوف من ان يتسبب غيابه بتفجر صراع فلسطيني داخلي وتحديدا داخل مركزية حركة فتح يزيد من حالة الانقسام وذلك في ظل غياب كامل للاليات القانونية والدستورية لخلافة الرئيس عباس .
• موت الاطار التاريخي لنضال الشعب الفلسطيني المسمى منظمة التحرير الفلسطينية .
• تزايد الحضور السياسي والمعنوي واللوجيستي لحركتي الجهاد الاسلامي وحماس على حساب ( فتح السياسية وليس كتائب الاقصى ) في الضفة الغربية بالاضافة لقوة حضور الحركتين عسكريا في قطاع غزة .
على صعيد عملية السلام او العملية السياسية ما يلي :
• لاول مرة ومنذ بدء عملية السلام عام 1994 وتوقيع اتفاق اوسلو ، تتضح الصورة العملية والواقعية لحالة الصراع الذي كان يتغطى بمشروع التسوية او ما اسميه " عملية تبريد السخونة " ، اما الصورة الان فهي احتدام الصراع وبدرجة دموية اكثر من اي وقت مضى ، فالطرف الفلسطيني الذي تمثله حماس والجهاد والكتائب المسلحة في الفصائل الفلسطينية ، لا يؤمن بالتسوية وتحديدا مع منظومة من العنصرين القتلة وخياره هو السلاح والمواجهة ، فيما الطرف الاخر المتمثل بنتنياهو واحزاب الصهيونية الدينية فهو لا يؤمن الا بسحق الطرف الفلسطيني وابادته .
• من المؤكد ان الحديث عن " حل الدولتين " قد بات شيئا من الماضي ، كما ان الحديث عن حل الدولة الواحدة في ظل هذه المعادلة الصراعية الدموية غير وارد ولسنوات طويلة قادمة وان كان ممكنا ، اقول غير وارد الان وذلك بحكم ان اليمين الديني الصهيوني هو من يمسك بزمام القرار في دولة الاحتلال .
•تراجع كبير لدور واشطن في ضبط ايقاع هذا الصراع بعد سنوات طويلة من رعايتها لمجمل الحالة .
• يقترب الاحتلال الاسرائيلي من خيار ضم الضفة وضم غور الاردن وهو امر بات وشيكا ، كما بات خيار ترحيل المناضلين الفلسطينيين وعوائلهم خارج الضفة خيارا مطروحا وبقوة على طاولة الحكومة الاسرائيلية المصغرة والترحيل باتجاه غزة او الاردن ولكن الى الاردن بارقام محدودة وبطرق ملتوية .
الخلاصة : من مجمل الصورة السابقة ، الصراع بات مستعرا ومن الصعب التنبؤ في ظل المعادلة الحالية بتسوية او تهدئة ، وعلينا في الاردن الانتباه لمسالة غياب ابو مازن وفراغ السلطة وما سيترتب عليها ، وما جرى في غزة عام 2007 وامكانية سيطرة حماس على اجزاء كبيرة من الضفة امر وارد جدا وبالتالي زيادة تماسنا المباشر بالشان الفلسطيني الداخلي ، وهذا سيكون تحديا علينا الاستعداد له.