انطلق الفكر الصهيوني المؤسِّس للكيان الإسرائيلي من نزعة عدوانية تهدف إلى احتلال فلسطين وتهويدها، تاريخا وحضارة، إما دفعة واحدة أم بالتجزئة؛ باعتبار ذلك جزءاً من المشروع الصهيوني الكبير، ولذا، فأنه من الطبيعي والبدهي أن لا تتصرّف إسرائيل كدولة تحترم الشرعية الدولية.
وتدعي الدوائر الصهيونية أنها دفعت الكثير من الضحايا من أجل الوصول إلى حالة احتلال لا مثيل له في المفاهيم الدولية، وهو مفهوم (الاحتلال الدائم) الذي يمكنها من تحقيق أهدافها في أوقات الحرب أم في أوقات السِّلم أم في حالة اللاحرب واللاسلم، وإعتمد سياسة مُمنهجة:
-اعتماد ادعاءات تشريعية تخولها استلاب الأراضي.
-اعتماد الاستيطان في الأراضي المحتلة امتدادا لدولة إسرائيل، مصحوباً بالإرهاب الاستيطاني الذي يمارسه المستوطنون مستهدفين السكان والأرض المزروعة وهدم البنيان، وهو ما يُعبّر عنه قتْل البشر والشجر والحجر، ونشر الرّعب في المجتمع الفلسطيني.
-اعتماد التطهير العْرقي وفق مبدأ (الترانسفير) أو الترحيل الفلسطيني، طوعاً أو كرهاً، محاكاة لما حصل قبل الحرب العربية -الإسرائيلية (1948) حيث دُمِرّت القرى، وطرد سكانها.
ولما لم تنجح هذه الأساليب في تهويد فلسطين، فقد أصبح العدوان المبرمج والممنهج من حين لآخر على الفلسطينيين في أرضهم هو الأداة لتحقيق الأهداف الصهيونية في تهويد فلسطين: تاريخاً وحضارة، معتمداً على الامتياز الذي منحه الغرب لإسرائيل وهو حق الدفاع عن النفس المزعوم، فكيف يدافع محتلٌ عن نفسه ضدّ من هو تحت الاحتلال وإرهابه وعدوانه اليومي.
وما حدث في معركة جنين هو تفسير لهذا المفهوم الصهيوني الجديد للاحتلال، وهو الاحتلال الدائم لتحقيق الأهداف الصهيونية المنبثقة من المشروع الصهيوني الكبير لتكون فلسطين هي الدولة اليهودية القومية كما تصورها (هرتسل).
ولم تدرك الدوائر الصهيونية ومن يقف ورائها ويهيئ لها الغطاء الدولي، لم يدركوا أن اقتلاع الشعوب من أرضها أصبح بعيد المنال أنْ لم يكن من المستحيلات والصمود الفلسطيني على أرضه ودفاعه عن حقه ومستقبله هو الرد الصارخ والقوي على تلك القوى.
"الدستور"