بوتين وتوماس فريدمان .. بين الفبركة والامركة!
أحمد سلامة
08-07-2023 12:38 PM
ارسل لي هذا الصباح صديق التصوف جمال الصرايرة بمقالة مترجمة عن (النيو يورك تايمز)، للكاتب الامريكي اليهودي غير المحافظ (توماس فريدمان)، عن الوضع الروسي بعد تمرد كبير الطباخين ل بوتين. بعنوان (ما التالي لبوتين)…
ورغم انني استمسكت بعروة وثقى منذ ان كنت شابا مبتدءا في الكتابة الصحفية، الا اتجاوز الكتابة الاسبوعية وانني كنت ادين ما كنت اسميهم (النجارون) كتاب المقالة اليومية ولم ازل.. الا انني وجدت نفسي متجاوزا محذور التجاور في الكتابة، لان مقال (فريدمان) قد استفز كل وعيي وكل مهنيتي، وكذلك كل موقفي غير المحايد من الصراع الذي رعته امريكا بقيادة الناتو على تخوم الاراضي الروسية…
ولهذا فانني اعتذر من القارئ، تتابع مقالتين لي. وسامسك على التزامي المهيب في امر التباعد في الكتابة ذلك ان التزامي هذا له قصة حكيمة ومليئة بالمعاني.. وساورد السببين لذلك
استضاف المرحوم شيخ الحوزة في صحيفة الرأي محمود الكايد رحم الله روحه في (الكايدية) المزرعة التي تجاور ام البساتين والذي اطلق عليها هذا الاسم المشاكس الاشرس في عمر الصحافة الاردنية الاستاذ الزميل المرحوم خالد محادين واضحت لا تعرف الا به…
استضاف ذات ليل صيفي في سنيي الثمانينات الكاتب والناشر السوري اللبناتي المبدع (رياض نجيب الريس)، ومن اخلاق ابو العزم وروحه العطرة كان لا يبخل على كوادره القيادية والطالعة من تلك المجالس التي لا تقل في ثرائها عن الكتب، وكنت واحدا على الدوام ممن وهبني استاذي هذه الميزة مجالسة الكبار وانا احبو على بلاط صاحبة الجلالة.
كان رأي رياض في احد الكتاب المحليين الذائع صيته سلبيا حد الادانة، لانه كاتب يومي، وقال من ضمن ما قاله (هذا يا محمود نجار بفصلك الخزانة نفسها كل يوم باسلوب اخر لا يقرأ ولا يكتب)، كنت قد ابديت رأيا قريبا من هذا لـ ابو عزمي في الزميل ذاك، لكن ابو عزمي عتب علي في حينه وامتدح زميلنا اليومي كثيرا..
فوجئ ابو عزمي برأي رياض (وغرش).. على الغسول بعد العشاء قال لي ممازحا (شمتان ؟؟؟) وضحكنا ومن يومها اصبح اسم الزميل ذاك المستعار (النجار).. وانا لا اود ان انهي عمري في المهنة بالنجارة.
فقط لان (فريدمان واوكرانيا والعرب قصة ساحرة) فهذا المقال استثناء عندي، لن اكرر التماس الكتابة في عمون بالتوالي قط.. ما لم يكن شيئا خارقا للالتزام قد وقع!!
السبب الثاني:
التحقت للتشرف بالعمل في المقر السامي بمكتب سمو ولي العهد الامير الحسن بن طلال في مطالع التسعينيات من القرن الذهبي للبشرية الذي مضى، من بلاط صاحبة الجلالة الى بلاط صاحب الجلالة لادارة ملف الاعلام حينذاك (كان صدام حسين يطل على العرب من القمر، والاخوة الاعداء يحيكون له عباءة التكفين على مهل) والعباءة يا للعجب كانت مصرية، ايرانية، سورية، وبقية قادة المرحلة للامة العربية وامسك عن ذكرها حياء وليس احتراما…
كذلك (التطش) ابو عمار في عقله حين اغلقت حنفية النفط على الثورة الثرية، والزمه حراك الجماهير الفلسطينية داخل فلسطين الانحياز (للقمر) على حساب شمس الخليج الحارقة… وراح يبحث مرتبكا عن تأشيرة دخول لامريكا بعد أن صدوه في القاهرة ودمشق والرياض
واغلقت حلقات اختتاقه، وفجأة وجد ضالته في مكتب للخدمات القنصلية تمنح تأشيرات اسرائيلية امريكية في احدى ضواحي ورثة الفايكنغ
في اوسلو عاصمة النرويج..
كان ذاك العالم الذي برحت فيه موقعي من عالم الصحافة الى عالم السياسة ما بين شارع الاستقلال حين اصطفت مئات السيارات لمشاهدة الشهيد صدام حسين في القمر حتى جبل عمان في الدوار الاول حيث وقف شمعون بيريز على الناصية امام مطعم القدس (يا لمفارقة الاسماء) ليتناول ساندويشة فلافل!!
ليتخيل كل قارئ هذه الكلمات كم حجم معاناة من عاشوا (لعبة الاعلام والسياسة) في وطننا الذي هو دوما (على قلق كان من الريح ما يكفي من تحته حتى العبث) في تلك الايام الكاداء
ذات ضحى من تلك الايام المريعة في صعوبتها وحيث كنت لم ازل اتدرب على كيفية الدخول بيسر وسلاسة الى المقر السامي، فوجئت على مدخل مكاتب سيدي حسن حفظه الله، بالعسكري المناوب يطلب مني ان ادخل لاقرب مكتب لان تلفون ضروري بانتظارك!!
كان ذاك الهاتف احد اهم الحوادث التي شكلت معماري المهني ولم يزل، كان الهاتف هو الوحيد في حياتي الذي تشرفت به من جلالة الملكة الوالدة زين الشرف رضي الله عنها وارضاها.. تدفق صوتها رحمها الله حنونا بكبرياء لا تسعه الارض كلها:
مرحبا يا وليدي، انت فلان الفلاني الذي (تشرفت) بالانضمام للعمل في معية سيدي حسن!؟
اجبتها بكل التزام وقور: اجل سيدتي صاحبة الجلالة.
عادت سألت: مش انت نفسك الذي حظيت بذكر جلالة سيدنا لك برسالة للشعب الاردني قبل سنين؟!
واجبت: نعم سيدتي هو انا من حظي بذلك الشرف.
وجاءت حكمتها الاعلامية التي كانت درسا هائلا في الاعلام واستذكرته هذا الصبح، لانني كتبت مقالتين متتابعتين..
أملت صاحبة الجلالة علي حكمتها قائلة، "اسمع يا ابني من عمل قبلك في معية سيدي حسن في الاعلام لم اكن موافقة على طريقته، لا ترهقوا سيدي حسن بالظهور الدائم على الاعلام، (خلوا طلته عزيزة عالناس)، سيدي حسن مو استاذ مهمته ان يحاضر بطلبته كل يوم، هذا امير هاشمي، خلو شوفته رغبة دائمة".
تمتمت بالصدوع للأمر، ولست ادري ان اديت واجبي بامانة ام انني خذلت تلك الملكة المذهلة في عظمتها دورا وسلالة.. تذكرت كل هذا وانا احاول الرد على ما اورده توماس فريدمان (كاتب العصر الامريكي المدلل).
اكتب من غير اية غريزة كره لفريدمان فاقول، انه (توماس فريدمان) واحد من كتب العصر الامريكي الراهن من ضمن مجموعة الكتاب الامريكان اليهود، بل هو اولهم، من صدر عنه جملة من مواقف انسانية تجاه بعض منحنيات الاضطهاد اليهودي النازي القذر ضد انسانية عرب فلسطين، وكذلك سجل مواقف تحترم في غزوة (الدلتا اليهودية الامريكية للعراق)، وذبح حضارته بجنون البقر مرضا ورعاة.. لقد ذبحوا كل العراق تاريخا وماض وحاضرا باقبح من غزوة التتار الحمقاء..
حتى في قضية الصراع الذي احتدم على خلفية اختفاء الاعلامي الامريكي السعودي (جمال خاشقجي) فلقد اتخذ لنفسه موقفا موضوعيا
وحاور الشخص المعني وهو (الامير محمد بن سلمان)، وحاول جهده بغض النظر عن دوافعه ان يكون موضوعيا وكذلك فعل في عدة مناسبات لملاحقته الموقف السقيم لليمين الصهيوني المتشدد ووقف ازى جانب الحياة في معركة (ترامب) ذلك الرجل الذي حاول اختصار البشرية كلها على مقاس رغباته الليلية!
لهذا فما يقوله توماس فريدمان عن (الرئيس الروسي بوتين) يستحق الاهتمام نظرا لموضوعيته اولا ولما يتمتع به من صلات محكمة مع حلقات الحكم الديموقراطية في واشنطن
كل مقال فريدمان يمكن تلخيصه (ان بوتين ذاهب الى نهاية غير سعيدة) تلك نبوءة لا تحتملها الصحافة بل هي رسالة سياسية تبشيرية
امريكية من وحي امبريالية استعلائية ترفض ان تقبل باية شراكة.. وأنا بكل تواضع لي رأي اخر
إن العرب كأمة اكثر المستفيدين من بقاء بوتين في محاولته الامساك بتذكير امريكا انها ليست اللاعب الوحيد في هذا الكون، وأن العرب اكثر الخاسرين فيما تمكنت امريكا من تقليم اظافر بوتين واجازف بالقول لن تستطيع الى ذلك سبيلا..
مشكلة هولاء الامريكان من المفكرين والساسة والعسكر والكتاب انهم يتخيلون انفسهم وهم يتحدثون عن (بوتين) وكأنه (صدام حسين) او (عبد الناصر) او (سوكارنو) و(نكروما) وان روسيا دولة في العالم الثالث.. لا احد بعقله لا يدرك الفوارق بين عظمة امريكا وزعامة روسيا
لكن روسيا لها مبررات في الزعامة لا يجهلها الا اوروبي غير قادر على حل مشكلة العنصرية في بلده او انه اوروبي قبل (بهندي) و(باكستاني) التفاوض على وحدة بريطانيا او تشقيقها؟!
على اول السطر.. إن اصبع (الرئيس بوتين) إن هزهز ازراره النووية سيمحق كل حضارة الغرب كل الغرب والغرب قادر ايضا على الغاء وجوده
وبالتالي تكون الحضارة الانسانية قد بلغت الصفر
أكثر ما يعيب هذا الغرب المتوحش بشقيه الامريكي والاوروبي تلك الغطرسة وذاك الاستعلاء العرقي المعتمد في لغة الخطاب ضد بوتين والروس
اريد ان اجتهد فاقول: ما من امة حاربت الروسيا في كل عهودها وانتصرت عليها منذ معركة القرم التي خاضها السلطان الفذ سليمان القانوني وترك قلبه وصية فيها.. حتى غزوة نابليون الفرنسي ووصوله الى عتبة موسكو، وانتهاء بالذي كاد ان يدمر البشرية كلها (هتلر)
لولا جبروت الروس
إن ملايين السوفيات الذين قدمهم الحزب والامة السوفياتية ووقودها الروس وكانت كييف احدى قلاع الصمود قبل الغزوة اليهودية (زيلنسكي) لكرسي الرئاسة التابعة لواشنطن..
مع كل الاحترام لبريطانيا وصمودها التاريخي ولامريكا وتأجيرها بعض الطيارين والقطع البحرية قبل (بيرل هاربر) وفرنسا المتعجرفة التي وقعت في قبضة النازي من اول نفخة لولا الصمود الاسطوري السوفياتي لكان العالم يتحدث الالمانية الان ولما كان الدولار هو سيد البشرية
إن الماكينة الامريكية الاعلامية والعسكرية المجنونة تحتاج الى عقلنة.. ونفخ الانجليز في رماد حضارتهم البائدة لا يجدي نفعا، فان
اوغلوا في اسفزاز ذلك العنيد القادر الباسط رعبه على بوابات اوروبا والعالم فان البشرية كلها ليست بخير، وما قصة قرارات المقاطعة
الرديئة والخفيفة الا تعبير استراتيجي خاطئ لعالم الغرب..
ثمة عالم اخر ينمو على حواف الزر النووي الروسي، الهند (بتكنولوجيا صناعة الذكاء الصناعي) ستجتاح العالم، وهي ليست كل قلبها اوروبي او امريكي، والصين لم تعد مصالحها المتناقضة مع الغرب بحاجة الى دليل وهي اول التصنيع القادر المنافس، واليابان ليست كلها في حالة نسيان للنووي الامريكي، اليابان مذهولة بعد لكنها في لحظة ما ستصحو..
واخلاقيا، ما الذي يحول امام بوتين ليمسح اوكرانيا عن الوجود، وقد منحه الامريكان الحجة والمبرر، حين اطلقوا عنان النووي في اليابان
والدمار الشامل في العراق
فقط، لان الرئيس بوتين لديه اخلاق الفرسان اكثر مما تحقق للغرب الامريكي المتوحش.. روسيا بلد عريق وبلد وافر الامكانات ووافر النووي ووافر التجارب في الصمود، ومن العار التحدث عن بوتين بهذه الخفة التي تعتمدها الماكينة الامريكية..
انا شخصيا في كل لحظة اتمنى ان تنتصر روسيا وتحسم الامر في اوكرانيا لان البديل لا تصنعه السويد حارقة المصاحف ولا فنلندا (المعتاشة من النوكيا).. البديل سيكون دمار البشرية كلها والعبث في التعامل مع الرئيس بوتين وتصغير دوره، انه جيمس بوند وسواه
هو فكر غربي انتحاري وفيه تدمير للذات لا اظن ان الروسيا والرئيس بوتين سيسمح التعاطي مع امته بخفة وازدراء ومنطق الحياة يشي دوما وابدا انما (العاجز من لا يستبد)
الرئيس بوتين ليس بالعاجز ولا تفترضوا فهذا سخف بالتحليل..
تمنيت لو ان توماس فريدمان الذي احترم لم يقع في مطب الامركة والفبركة
الله غالب …