الظلال الهامسة: خطر الأخبار المزيفة
د. محمد عبدالله اليخري
06-07-2023 10:02 PM
الأخبار المزيفة والكاذبة هي محارب ناعم بارع، يستغل أعمق آمالنا ومخاوفنا وتحيزاتنا. تم تصميمه ليتردد صداه مع عواطفنا، ويتدلى من الروايات المحيرة أمام أعيننا، مما يجبرنا على الإيمان دون استجواب. إن المزج السلس بين الحقائق والأكاذيب يجعل عملية تمييز الحقيقة من الكذب شبه مستحيلة. بمجرد أن نستسلم لجاذبية هذه الأخبار المزيفة، فإننا نضع عن غير قصد الأساس لتصور مشوه للواقع ونتبنى قصص خياليه لا تحدث حتى في الأفلام السنيمائية والبلية العظمى أننا نصدقها كما في المقولة الشعبية الشهيرة "بنكذب الكذبة وبنصدقها".
عقولنا قابلة للتكيف اذ ان عملية التشذيب والقوة للخلايا تتأثر بشكل مباشر بالمعلومات التي نتلقاها عن طريق الحواس. عندما نسمع الأخبار المزيفة ونستوعبها، فإنها تتسرب تدريجيا إلى أنظمة معتقداتنا وعقولنا، مما يؤدي إلى بناء إطار هش من المفاهيم الخاطئة تمام وكأننا نبني برج كبير على رمال المتحركة. يعزز التحيز التأكيدي مفاهيمنا الموجودة مسبقا، مما يقودنا إلى طريق نبحث فيه عن المعلومات التي تتوافق مع معتقداتنا الراسخة. مع كل تكرار وتعزيز، تتشابك الروايات الكاذبة مع نفوسنا، وتحول الأكاذيب إلى حقائق متصورة ومن ثم تصبح حقيقة وتتحول الى رواية يصدقها الجميع.
صدى المعلومات المضللة له مدى بعيد وأصبح مخيف جدا مع تطور العالم الرقمي، تعمل غرف الصدى مثل مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات تطبيقات المحادثات على تضخيم مدى وصول وتأثير الأخبار المزيفة. تقوم خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي برعاية خلاصاتنا، وتخصيص المحتوى ليتناسب مع تفضيلاتنا وما نكتب وما نتابع. نتيجة لذلك، نجد أنفسنا متورطين في غرف الصدى، محاطين بأفراد متشابهين في التفكير يعززون تحيزاتنا. داخل هذه الغرف، تزدهر الأخبار المزيفة، مما يديم دورة من التأكيد والتحقق من الصحة. يتم إسكات الأصوات المعارضة، ويصبح التحليل النقدي نادرا، مما يزيد من ترسيخ الروايات المشوهة داخل أذهاننا.
تمتد تداعيات الأخبار المزيفة إلى ما هو أبعد من المعتقدات الشخصية. فهي تكسر المجتمعات، وتقوض الثقة، وتعيق التقدم. يمكن للأخبار الكاذبة، التي يتم مشاركتها على نطاق واسع وبسرعة، أن تحرض على الخوف وتثير الكراهية وتزرع الانقسام والتمييز والعنصرية والكره. لدى الأخبار الكاذبة القدرة على تشكيل الرأي العام، والتأثير على المشهد السياسي، وتقويض العمليات الديمقراطية. وتؤدي تآكل الثقة في مصادر المعلومات الموثوقة إلى إعاقة اتخاذ قرارات مستنيرة، مما يعوق النمو والتقدم.
ولكي نكشف الحقيقة يتطلب منا اتباع نهجا متعدد الأوجه. أولا وقبل كل شيء، يجب علينا رعاية ثقافة التفكير النقدي، والتشكيك في المعلومات المقدمة لنا والبحث عن وجهات نظر متعددة. يجب دمج برامج ومناهج التربية الإعلامية في النظام التعليمي لكل المراحل، وتمكين الأفراد من فك الشفرة بين الحقيقة والخيال. تلعب منظمات التحقق من الحقائق دورا محوريا في فضح الأخبار الكاذبة واستعادة الثقة في المصادر الموثوقة.
ومع ذلك، فإن المسؤولية لا تقع على عاتق الفرد وحده. يجب أن تعطي منصات التكنولوجيا الأولوية لصحة المعلومات وأن تنشر خوارزميات قوية للحد من انتشار المعلومات المضللة. يجب على الحكومات وصناع السياسات سن تشريعات تعزز الشفافية والمساءلة والضمانات ضد انتشار الأخبار المزيفة.
من خلال فهم الآليات التي تؤثر بها الأخبار المزيفة على عقولنا، يمكننا تجهيز أنفسنا بالأدوات اللازمة للتنقل في هذا المشهد المحفوف بالمخاطر. معا، من خلال التفكير النقدي، ومحو الأمية الإعلامية، والالتزام الجماعي بالحقيقة، يمكننا كشف النقاب عن ظلال الخداع، واستعادة قوة المعلومات، وتعزيز مجتمع متجذر في الصدق والتفاهم. ها قد حان الوقت للارتقاء فوق نشاز الأكاذيب واحتضان نور الحقيقة.