تطور وسائل الاعلام نعمة ام نقمة؟
أ.د عبد الرزاق الدليمي
06-07-2023 08:38 PM
معروف لاصحاب الاختصاص ان وسائل الإعلام السياسية الجديدة هي أشكال الاتصال التي تسهل إنتاج ونشر وتبادل المحتوى السياسي على المنصات وداخل الشبكات التي تستوعب التفاعل والتعاون، حصل التطور الملفت للانتباه في أواخر الثمانينيات عندما برزت منصات الترفيه ، مثل الراديو الحواري والبرامج الحوارية التلفزيونية والصحف الشعبية ، واصبحت تؤدي أدوارًا سياسية بارزة وأدت إلى ظهور نوع جديد من المعلومات وأساليب الترفيه.
على سبيل المثال ظهر بيل كلينتون بشكل ملفت للانتباه في البرنامج الحواري التليفزيوني في Arsenio Hall وهو يرتدي نظارة شمسية ويعزف على الساكسفون ، واجتذب هذا النوع من اندماج السياسة مع الترفيه الجماهير التي عادة ما كانت غير مهتمة بالشؤون العامة ، مما مهد الطريق لدونالد ترامب رئيس "تلفزيون الواقع" بعد عقود لشق طريقه من نجم تلفزيوني إلى رئيسا للولايات المتحدة علما ان علاقة دونالد ترامب بدأت بالتلفاز منذ 35 عاما، عندما كان يطل ضيف شرف في الكثير من مسلسلات وبرامج الكوميديا.
اما عن المرحلة التالية في تطوير وسائل الإعلام الجديدة فبرز بالتزامن مع تطبيق تقنيات الاتصالات الرقمية الناشئة على السياسة التي جعلت من الممكن ايجاد منافذ جديدة وأنظمة توصيل افضل للمحتوى،وظهر ذلك بوضوح ابتداءً من منتصف التسعينيات ، حيث تقدمت منصات الإعلام السياسي الجديدة بسرعة لتشمل المواقع ذات الميزات التفاعلية وفرص المناقشة والمدونات ومنصات جمع التبرعات عبر الإنترنت ومواقع تجنيد المتطوعين واللقاءات وغيرها من الفعاليات الاتصالية التي تسبب بعضها بمشاكل لايحمد عقباها. منذ تلك الفترات أصبح الجمهور أكثر اسهاما في الإنتاج الفعلي للمحتوى السياسي سيما بعد بروز ظاهرة المواطنون الصحفيون الذين كانوا شهود عيان على الأحداث التي لم يغطيها الصحفيون المحترفون.
تميزت المرحلة الثالثة في تطور وسائل الإعلام الجديدة باستراتيجية باراك أوباما الرائدة للحملة الرقمية في الانتخابات الرئاسية لعام 2008. حيث استفاد فريق أوباما من ميزات الوسائط الرقمية المتقدمة التي وفرت فرصة التواصل والتعاون وبناء المجتمع لوسائل التواصل الاجتماعي لإنشاء حركة سياسية، كما استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لجمع البيانات حول التفضيلات السياسية للمستهلكين ، وأنشأت ملفات تعريف الناخبين لمتابعة مجموعات معينة ، مثل الناخبين المحترفين الشباب ، وتوجيه رسائل مخصصة لهم.
صعود وسائل الإعلام الجديدة يقلب الاتصالات السياسية
أدى ظهور وسائل الإعلام الجديدة على مدى العقود الثلاثة الماضية إلى تعقيد نظام الإعلام السياسي،بعكس وسائل الإعلام التقليدية التي تتكون من مؤسسات الإعلام الجماهيري التي سبقت ظهور الإنترنت ، مثل الصحف والبرامج الإذاعية والبرامج الإخبارية التلفزيونية ، وتحاول ان تتعايش مع الوسائط الجديدة التي هي نتاج الابتكار والتطور التكنولوجي الرقمي (مواقع الويب ، والمدونات ، ومنصات مشاركة الفيديو ، والتطبيقات الرقمية ، و وسائل التواصل الاجتماعي). حيث تتمكن وسائل الإعلام الجديدة أن تنقل المعلومات مباشرة إلى الأفراد دون تدخل حراس البوابة في المؤسسات الاعلامية ، والتي تعتبر متأصلة في النماذج القديمة، وهكذا أدخلت وسائل الإعلام الجديدة مستوى متزايدًا من القلق وعدم الاستقرار وعدم القدرة على التنبؤ في توجهات ونتائج عملية الاتصال السياسي.
رغم كل ما اشرنا اليه تبقى العلاقة بين وسائل الإعلام القديمة والجديدة علاقة تكافلية، خصوصا وان وسائل الإعلام القديمة والجديدة تعتمد في استراتيجياتها إعداد التقارير، حيث يقومون بتوزيع المواد عبر مجموعة من منصات الاتصال القديمة والجديدة. ويعتمدون على مصادر وسائط جديدة لتلبية الطلب المتزايد باستمرار على المحتوى. على الرغم من المنافسة من وسائل الإعلام الجديدة ، فإن جمهور وسائل الإعلام التقليدية لا يزال قوياً ، حتى لو لم يكن هائلاً كما كان في الماضي. وبالتالي ، تعتمد وسائل الإعلام الجديدة على نظيراتها القديمة لاكتساب الشرعية ونشر محتواها.
من الناحية المثالية ، تؤدي وسائل الإعلام عدة أدوار أساسية في المجتمع الذي يصف نفسه بالديمقراطي. والغرض الأساسي من وجودها هو إعلام الجمهور ، وتزويد المواطنين بالمعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات مدروسة بشأن القيادة والسياسة. كما تعمل وسائل الإعلام كجهات رقابة تتحقق من الإجراءات الحكومية. ومنعا انهم يضعون جدول أعمال المناقشة العامة للقضايا ، ويوفرون منتدى للتعبير السياسي. كما أنها تسهل بناء المجتمع من خلال مساعدة الناس على إيجاد أسباب مشتركة ، وتحديد المجموعات المدنية ، والعمل على إيجاد حلول للمشاكل المجتمعية.