التاريخ مليء بالأبطال والبطولات ،ولا شك إن قيام الدولة الأيوبية جاء مصاحباً بأهمية الدور الذي نهضت به ،والذي أدى الى ظهور أبطال على المسرح التاريخي العربي وكان صلاح الدين الأيوبي يُعد من الشخصيات المتميزة ،التي سجل له التاريخ بطولته التي لم يستطع أحد أن يواصل سياسته بالقوة نفسها .

وكانت معركة حطين من المعارك التي كانت لها صدى وخاصة بين المسلمين والصليبيين وارتباطها ببيت المقدس ،والتي دخلها وسُلمت له عام 583الهجري 1187م وقد وافقت ليلة ذلك اليوم ليلة الاسراء والمعراج .أمر الناصر صلاح الدين الأيوبي التجهيز وأقامة المنبر لأقامة الخطبة الاسلامية في يوم الفتح الذي لم يتيسر اقامة الجمعة بنفس اليوم ،وأعد المسجد بالبسط النفيسة والتي قدمها علي إبن صلاح الدين وعلقت القناديل وأزيل الصليب الذي كان أعلى المسجد الأقصى وجيء باحمال ماء الورد والتي حملها تقي الدين ابن اخيه لصلاح الدين وغسلت الصخرة وساحاتها وبخرت بمجامر الطيب واغدقت العطايا على الفقراء ورتب الناصر صلاح الدين الايوبي الوظائف الدينية والادارية في المسجد الاقصى وقبة الصخرة وحمل اليها المصاحف أما المنبر فكان من اعداد نور الدين قبل عشرين عاماً من تحرير بيت المقدس وكان في حلب بوضع مؤقت ، فلما عاد المسلمين الى القدس ،نقله الناصر صلاح الدين الأيوبي الى المسجد الاقصى .وعلق العماد بقوله : وأنا أرخت بهجرة ثانية ،تشهد الهجرة الاؤلى،هي هجرةالاسلام الى بيت المقدس ،وقائمها السلطان صلاح الدين الايوبي وعلى عامها يحسن أن يبنى التاريخ وينسق.

وفي الجمعة التالية من شعبان 583 الهجري 1187م اقيمت الخطبة وغص الحرم الشريف بالزحام ،الذي توافد اليه المسلمين من شتى البقاع لحضور صلاة الجمعة أول صلاة بعد تطهيره وحضر الناصر صلاة الجمعة وجلس بقبة الصخرة المشرفة وهو بغاية السرور والفرح اذ جعله الله تعالى هذا الفتح ثانية والفاتح الاول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه".

وتولى الخطبة الاؤلى القاضي محي الدين بن زكي الدين قاضي دمشق وبدأها بالآيات الكريمة من سورة الانعام واوراد التحميدات من القرآن الكريم ثم قال :أيهاالناس أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى ،لما يسره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة وردها الى مقرها من الاسلام ،بعد ابتذالها في ايدي المشركين وهو موطن أبيكم ابراهيم ومعراج نبيكم محمد صلى الله وعليه وسلم وقبلتكم التي كنتم تصلون اليها في ابتداء الاسلام وهو مقر الانبياء وهو في ارض المحشر وصعيد المنشر الله اكبر ،فتح الله ونصر ،وغلب الله وقهر ،واذل الله من كفر .ثم دعا للناصر فقال : اللهم وأدم سلطان عبدك الخاضع لهيبتك ،السيد الأجل الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الاسلام والمسلمين مطهر البيت المقدس أبى المظفر يوسف صلاح الدين بن ايوب وتبارى الشعراء في تمجيد هذا الفتح وقائده .

وهكذا عاد بيت المقدس الى المسلمين وكان لهذا الحدث ارتياعاً هزت به العالم ولكن الغرب تحفز لانتزاع القدس من جديد وتعالت صيحات القادة الصليبيين للأخذ بالثأر والانتقام من المسلمين .وكان جيش المسلمين بقيادة صلاح الدين الايوبي قد وحد مصر والشام والعراق والجزيرة وجمعهم تحت رايته وقاتلوا المسلمين بضراوة وكتفوا هجماتهم على الصليبين .

ولعلنا اليوم نستذكر كلمات محب الدين الخطيب بدعوته لجمع الشعوب العربية على قضية واحدة. تظهر حطين هنا كبارقة الأمل التي يجب التجمع حولها. يقول الخطيب: "يا أمتي هيا بنا نغتسل جميعاً في مياه طبريا ونشهد تراب حطين على أن نتجرد من أدران اليأس القاتل والشهوات الخسيسة والأنانية الحقيرة.

واليوم حطين بتاريخها كان نقطة تحول في تاريخ المنطقة بتحويل السيطرة الصليبية الى السيطرة الاسلامية وهذه الآثار التي لا زالت واضحة معالمها بتغيير الشرق الاوسط على ما هو عليه اليوم .

أما القدس اليوم والذي تعقبت الوصايا عليه بالجذور الهاشمية والتي تعود العلاقة بهذه الوصايا الى عام 1924م ،والتبرع لإعمار المقدسات الاسلامية وحيث أطلق عليه اسم الاعمار الاول على القدس ، واحتفظ الهاشميين بحقهم بالوصايا منذ ذلك الوقت الى يومنا هذا .ولكن تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على الحرم القدسي والمسجد الاقصى ما كان هذا الا انتهاك واضح للتقطيع الدور للوصايا الهاشمية وإنهاء مشروعية النظام الاردني على القدس .ولكن العلاقة الوطيدة بين الشعب الاردني والفلسطيني اللذان يدعمان هذه الوصايا والموقف الدولي للجلالة الملك عبد الله الثاني للحفاظ على التاريخ المقدسي الاسلامي وهي وصاية تاريخية منذ إسراء سيد البشر جد الهاشميين الأعظم صلى الله وعليه وسلم وتجديدها عبر الزمن بدعوة المقدسيين للشريف حسين طيب الله ثراه لنجدتهم ومساعدتهم .وسيبقى هذا الارث الاسلامي وان تغيرت الازمان او القادة الى ما وصلنا اليه اليوم هو ارث تاريخي وشريعة دينية باقية لن تنتهي.

وتبقى حطين وصلاح الدين الايوبي ذكرى اسلامية غيرت من ملامح الشرق الاوسط ولكنها تنبهنا بأننا ما زلنا مهددين بالاطماع التي تبحث للقضاء على المسلمين والاستعمار لمقدساتنا الاسلامية بكل بقاع الارض التي تعني لنا الكثير كمسلمين.