التفتيش فـي الدفاتر العتيقة
سامي الزبيدي
21-07-2007 03:00 AM
في خضم المراوحة بين الحاجة الفعلية لإعلام وطني قادر على تبني قضايا الدولة بكفاءة وحرفية ومهنية وبين حاجة البعض الايدولوجية للتخفيف من تدخل الحكومة في رسم سياسات المؤسسات الإعلامية كانت النتيجة ان تولدت مؤسسات جديدة ومستحدثة كتعبيرعن تلك المراوحة وليس كتعبير عن رؤية متماسكة لتطوير الاعلام. لقد تمت التضحية بوزارة الاعلام بوصفها جزءا من الماضي ليتم انتاج مؤسسات اعلامية جديدة كالمركز الوطني للاعلام والمجلس الاعلى للاعلام وهيئة المرئي والمسموع وبعد سنوات قليلة وجدنا اننا اعدنا انتاج الوزارة عبر مؤسسات اخرى لكن بلا فلسفة واضحة ولا وظائف مفهومة ولا اليات عمل متوافق عليها.
كل الاخطاء التي رافقت عملية تطوير الاعلام - ان توافقنا على توصيفها باخطاء- من الطبيعي ان تحدث فالعمل غير المسبوق يمكن ان يترافق مع اخطاء لكن الخطيئة هي في التفكير بالعودة الى صيغ مثل احياء وزارة الاعلام فمعنى هذا اننا اعلنا الاستقالة من مهمة التطوير والتحديث فليس مقبولا ان تفضي عملية النقد للمؤسسات الاعلامية القائمة الى اعلان عدم جدواها وانتفاء الحاجة لها ونعود ادراجنا للبحث في احياء صيغ تجاوزها التاريخ.
لنتحدث بصراحة فغياب التأثير الفاعل للمجلس الاعلى للاعلام او المركز الاردني للاعلام ليس فقط لان هذه المؤسسات ولدت بلا فلسفة او وظيفة بل لان ثمة فراغات في تشريعاتها تسرب منها الفشل كما اسهمت الخيارات الادارية في تعميق هذا الفشل الامر الذي جعل من العودة الى خيار وزارة الاعلام امرا ليس خارج التفكير.
حين جرى الحديث قبل اعوام قليلة عن التوجه نحو تأسيس مجلس اعلى للاعلام كنا نظن اننا بصدد التأسيس لمؤسسة ذات سلطة اخلاقية ومعنوية على المؤسسات الاعلامية توفر للاعلام الوطني مظلة قوامها فكر الدولة مع التخفف - ما امكن - من تأثير الحكومة لكن الذي حدث على الارض هو قيام هذه المؤسسة الوليدة في البحث عن فرصة عمل مقبولة داخل المشهد الاعلامي ، اما المركز الاردني للاعلام فاصبح ينافس الصحف المحلية ووكالة الانباء في تغطية المناسبات بصورة لا تخلو من لمحات كاريكاتورية مغرقة في سذاجتها بما يدلل على غياب التصور الواضح لوظيفة هذه المؤسسة.
اذا كان اداء المجلس الاعلى للاعلام وشقيقه المركز الوطني للاعلام يعاني من الارتباك وفقدان الوظيفة العامة فالحل ليس بالعودة الى وزارة الاعلام بل في مناقشة الخلل الذي اصاب هذه المؤسسات سواء أكان السبب في البنية التشريعية ام في الفلسفة ام الاطر الادارية فهذا هو الطريق نحو الحل.
لنفتش عن صيغ مبتكرة لانها اجدى من التفتيش في الدفاتر العتيقة.
samizbedi@yahoo.com