أغلقتِ خلفك أبواب النضال والمقاومة وحراسة الأرض والكرامة يا جنين الصمود، أغلقت الباب خلفك على كل من سيحاول دخول هذه المساحات وكل باحث عن حياة مختلفة تليق بعشق الأوطان، عشقا بِكرا مختلفا عن كلّ ما عرفته البشرية من أشكال التضحيات والحبّ.

جنين، أيّ وصف وأي كلمات يمكن أن تحكي عن أيامك ونضالك وصمودك، عمليا أنتِ أغلقت الأبواب خلفك، فلم يعد لأحد متسع في حياة أقصى درجات العيش الكريم بها هو تقديم الأرواح، حياة يرى من يعيشها في الموت دربا للوصول لها، لتقدمي الشهيد تلو الشهيد دون أن يغمض لكِ جفن، ولا ترتجف لكِ قلوب تقدّمين أبناءك شهداء لتحيا فلسطين وجنين.

ما يجري في جنين هو مذبحة وجرائم حرب حقيقية، دون برهان أو بحث عن مصطلحات تفسّر ما يحدث، ليس فقط في عمليات القصف والقتل التي لم تتوقف منذ أيام، إنما لجهة منع وصول الإسعاف لأي مصاب وعدم معالجة أي معتقل، وسط مقاومة حقّا تعجز اللغة عن وصفها، وإصرار من كل فلسطيني في جنين أن الاحتلال لن يخرج من جنين كما دخلها، بتأكيدات على مواجهة هذه الجرائم وتقديم الغالي والنفيس لمقاومتها، وهل هناك أغلى من دماء الشهداء وأرواحهم وأجسادهم لتسجّل أكبر قصة نضال في تاريخ العالم.

ملحمة جديدة تدوّنها دماء أبناء جنين.. جنين التي كسرت بؤس لحظات ظنّت بها إسرائيل أن هزيمة الفلسطينيين سهلة، جنين يا من أرسلت للعالم بطاقات تهنئة لم تنعمِ بأيامه بطاقات من نوع مختلف، لم يعهده أيّ منّا تحمل عطرا خاصا بدماء شبابك، بعبارات لا لغة فيها سوى عبارات النصر لفلسطين والهزيمة لإسرائيل، ملحمة جنين تاريخ جديد تدوّن تفاصيله دماء أبنائها، تاريخ نجد به التأكيد نحن معكم أبناء جنين وأبناء فلسطين نحن في الأردن نساند نضالكم وندعمه ونقوّي من عزيمتكم بكل ما أوتينا من حبّ لفلسطين ولجنين.

لا أريد الكتابة عن أعداد الشهداء الذين استشهدوا أمس ليس فقط لعدم ثباتها فهي في ارتفاع كل ساعة، لكنني أرى أن ما يحدث في جنين لا تنقله الأعداد فهؤلاء عند ربهم أحياء يرزقون، لكن ما يحدث يجب أن يقف العالم بأكمله لوقفه ومنعه، وعدم تكراره، فمن غير المقبول ولا المنطق أن تترك إسرائيل في زمن تعلو به عناوين الحريات ومنحها مع الحقوق غير منقوصة لسكان المعمورة، تترك لتقوم بأبشع الجرائم على أرض محتلة بل أرض لم يبق سواها تحت وطأة الاحتلال في العالم، تترك أن تنال عقابا بحجم جرائمها التي ستؤدي إلى تدهور خطير تشهده فلسطين والمنطقة والعالم.

الأردن من جانبه دعا المجتمع الدولي للتحرك الفوري لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووقف التصعيد الذي يمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني والتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ووقف الحملات ضد الشعب الفلسطيني وبشكل فوري، كما حذّر الأردن أمس من عواقب هذا التصعيد الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من التدهور والعنف.

كما أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية وشؤون المغتربين أن موقف الأردن الرافض لهذه الاعتداءات ولجميع الإجراءات الأحادية التي تقوض جهود تحقيق التهدئة، مشددا على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكلٍ فوري وفاعل لوقف هذا العدوان، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة.

موقف واضح رافقته جهود متعددة بالتنسيق مع الجانب الفلسطيني لوقف هذا العدوان، وهذه الجرائم، بانتظار ردة فعل دولية لوضع حدّ لإسرائيل لما تقوم به من جرائم تبدأ ولا تنتهي، فهذا الصمت الدولي يجب كسره بصرخة واضحة أن وقف جرائم إسرائيل واجب.

(الدستور)