الفتيل الذي أشعل الشارع الفرنسي
أ. د. ناهد عميش
03-07-2023 11:33 PM
احتجاجات عارمة تسود في شوارع فرنسا صاحبها أعمال شغب عقب مقتل شاب من أصول جزائرية في منطقة نانتير في ضواحي باريس على يد رجل شرطة في ملاحقة مرورية.
حالة الاحتجاجات رافقتها هجمات ضد مبانٍ حكومية ومخافر شرطة وسجون ومدارس وبنى بلدية وبنى تحتية عامة، وحرائق طالت مئات من السيارات.
هذه الأحداث تعيد إلى الذاكرة ما حصل إبان حكم الرئيس الراحل شيراك في العام ٢٠٠٥ من أعمال شغب، كان سببها موت شباب من أصول عربية بعد ملاحقة الشرطة لهم، وعلى إثرها تم إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
هذا ليس التحدي الأول الذي يواجهه ماكرون منذ توليه الحكم، ففي العام ٢٠١٩ شهدت فرنسا احتجاجات "السترات الصفراء" وبعدها أتت الاحتجاجات ضد تعديل نظام التقاعد ورفع عمر التقاعد من ٦٢ إلى ٦٤ عاماً.
ما يحصل في فرنسا هو الفتيل الذي أشعل شباب الضواحي الذين يشعرون بأنهم مهمشون ويعانون من البطالة وصعوبة العيش . ضواحي باريس تقطنها أغلبية من المهاجرين وأكثرهم من أصول عربية وأفريقية. كما شكّل تضخم الأسعار ، لا سيما أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة، وذلك بعد أزمة الكوفيد، وانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد، بيئة خصبة للشارع الفرنسي للاحتجاج عن ما يحصل .
ماكرون يواجه أزمة سياسية كبيرة، وبخاصة أن تياره" الجمهورية إلى الأمام " لم يستطع الحصول على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي، وهو ما استدعاه لاستخدام المادة الدستورية 49.3 لتعديل النظام التقاعدي دون الرجوع إلى البرلمان. إن عدم وجود أغلبية برلمانية تدعم ماكرون يشكّل تحدياً كبيراً له ولحكومته، وهو ما يحصل الآن؛ إذ تستغل الأحزاب المعارضة ما يحصل للهجوم على سياسة ماكرون.
أول المستفيدين مما يحصل هو اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان وإيريك زيمور اللذين يستغلان أي موقف للهجوم على المهاجرين، وتشجيع "الفوبيا" منهم، فقد طالبوا بفرض قانون الطوارىء اذا لم يهدأ الشارع الفرنسي، كل هذا قبل أشهر من نقاشات من المتوقع أن تشهدها الجمعية الوطنية الفرنسية حول مشروع قانون جديد متعلق بالهجرة واللجوء.
كما اتخذت أحزاب اليسار ، كحزب فرنسا الأبية بقيادة جان لوك ميلانشون، وحزب الخضر، والحزب الاشتراكي، موقفاً تضامنياً مع قضية نائل، واتهموا الشرطة بأنهم يقتلون الناس.
بالرغم أن سبب اندلاع الاحتجاجات -على ما يبدو- هو سبب مباشر المتمثل في مقتل الشاب نائل، إلا أن أحزاب المعارضة تعمل على تأجيج الموقف للاستفادة منه، وبخاصة أن تيار ماكرون لا يمتلك الأغلبية البرلمانية حالياً.
وما يثير المخاوف هو أنه في حال لم يتم تطويق الأزمة قد يؤدي هذا إلى انقسامات سياسية واجتماعية حادة قد تنتقل من أزمة إدارة ماكرون إلى أزمة أعمق ممكن أن تؤول إلى تحولات عميقة في طبيعة النظام السياسي الفرنسي.