في تغريدة للإعلامي سمير الحياري على تويتر، أبدى دهشته من الاعتداءات على مقاعد تلفريك عجلون، واستصرخ علماء النفس - وأنا لست منهم - تفسير ما حدث! مشروع سياحي حديث بُنيَ من أموال الشعب، ولخدمة بقعة من أرض الوطن بما ينعكس إيجابًا على كل الوطن، يتعرض منذ الأيام الأولى لتشغيله لعمليات تمزيع، ونبش حشوات المقاعد، وكأن الفاعل أراد انتقامًا! لكنْ ممّن ينتقم؟!!
سيدي الإعلامي المندهش، قد يسهُل تفسيرُ هذا الاعتداء سيكولوجيّا بنسبته إلى مريض نفساني! لكن هل هذا العدوان فرديّ، أم أنه جزءٌ من ظاهرة عامة تستشري في مجتمعنا يوما بعد يوم؟! لديّ - وفق اختصاصي - تفسير قيَمي اجتماعي، وتفسير تربوي.
أمّا التفسير الاجتماعي، فإن قيَمنا الاجتماعية هي في معظمها قيَم السلطة وإثبات الذات، ونصرة الظالم والمظلوم معًا! قيَم البداوة المتمثلة بالقوة والتنافس، وخيار: إمّا - أو، وأخذ الحق بالقوة، أو الفهلوة، وعدم التمييز بين المُلكية العامة والمُلكية الخاصة، والعنف، والتستّر على الفاعل، وحمايته والاعتزاز به، والعشائرية، وسلبياتها، والدفاع عن بعض قيمها، وتوزيع المسؤولية على القبائل حيث ترتكب الجريمة ليلًا…. إلى غير ذلك من قيم!!
ويهمّني كما يقول الباحث الاجتماعي حسين محادين: إن قيَم البداوة هي قيَمنا جميعًا، وليست قيَم فئة البدو مقابل الحضر، فنحن - الأردنيين جميعًا - نتمسك بقيَم البداوة، بل زدنا عليها ما استوردناه من قيَم عثمانية، وفارسية، وحديثًا القيَم الغربية التى وردتنا من العولمة، وفي مقدمتها ازدواج المعايير، والمنفعة الذاتية، والتحيز للعدوان، والمغالطات، وغيرها!
إذن؛ نحن نمتلك مجموعة من القيَم الداعمة للاعتداء على الممتلكات، ولو على طريقة الصعاليك !!واجتماعيّا؛ مارسنا العنف في الملاعب، وقيّدناه ضدّ مجهول، أو فئة مندسّة قليلة، وبذلك أنكرنا وجود العنف؛ مارسنا العنف في الجامعات، وقيّدناه ضدّ أفراد، وبذلك أنكرناه كظاهرة بانتظار عنف جديد.
أرجو أن لا يعالج العنف ضدّ التلفريك، كما عالجنا العنف في الجامعة، وفي الملاعب: معالجة أمنية، أو إرهابية بتركيب كاميرات تصوّر ما لا يجب إضافة لما وجب! وستصدر أصوات قوية تقول: مَنْ أمِنَ العقوبة أساء الأدب! وهي مقولة تحتاج نقاشًا لإثبات دقتها!!
بعيدًا عن العلاجات السريعة: العلاج بالكاميرات والعقوبات، فإن الظاهرة ترتبط بالقيَم الحضارية المجتمعية، ولذلك لا حلّ إلّا تربويّا! صحيح أن الحل التربوي يحتاج وقتًا، ولكن لا نمتلك حلّا سواه. وهذا ما فعله المركز الوطني للمناهج منذ عام 2020، حين وضع إطارًا عامّا للمناهج اشتمل على كل القيَم المرتبطة ببناء الشخصية الإيجابية للفرد، والمجتمع، لكن شيئًا ما منع ترجمة هذا الإطار من أن يتجسّد سلوكاتٍ في الكتب المدرسية، والمواقف الصفية!
كان هذا هو الحلّ أخي سمير، لكن في مجتمعنا: (ما فيه حدا بحاسب حدا)! ولذلك، سيركّبون كاميرات داخل عربات التلفريك، وسيبتكر "المعتدون" أساليبَ جديدة للتحايل على الكاميرا، وسيبقى العدوان بشكله الحاليّ، أو يتحول إلى أشكال مبتكرة جديدة خارجة عن نطاق الكاميرا!
الحل تربويّ بَحْت، ولا حلّ غير ذلك على الإطلاق!!
هل تتذكر أخي سمير ما تغنّينا به جميعًا: إنمّا العاجز من لا يستبد!!