facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




المناضل قدري والبير كامو والعودة الى (بديا)


أحمد سلامة
03-07-2023 03:34 PM

ذات شتاء مريع عام ١٩٥٣، عاد البير كامو الجزائري المولد الفرنسي الانتماء والهوية والفكر الى (تيبازة) بالجزائر مكان ولادته.. كان ذلك الشتاء لضراوته قد فاض عن حاجة البحر وقلم اصابع الشواطئ على حد تعبير كانو الساحر..

عاد كامو يحمل في رئتيه عبء مرض (السل) وعار الاندحار الفرنسي تحت سنابك النازي في الحرب الثانية.. أي عاد إلى وطنه (كان الفرنسيون يرون في الجزائر ضمن اوهام وجنون الاستعمارات الوقحة التي امتدت حتى اشتملت حتى مساكين الارض (يهود) فاحتلوا وطننا، اعتبروا ان الجزائر وطنهم بالضبط مثل سفلة (حراس التلال اليهودي)

عاد كاموا ليرتوي من علم تيبازة المهول فينسي نفسه اوجاعا الحقتها به القارة الاووربية لحروبها المتعاقبة!!!

فكتب مقالته الشهيرة (العودة الى تيبازة)، كنت امني النفس، ان احاكي تلك المقالة المفعمة بالادب الرفيع، بان تتاح لي فرصة الاياب الى بديا لالقاء نظرة الوداع على اخ وصديق وابن عم ورفيق طفولة وكهولة هو المناضل النقي الطاهر اللواء (قدري عمر ابو بكر سلامة) يرحمه الله، الذي جاب الكون معاناة وعذاب وكان قدره ان يموت بحادث سير في جوار نابلس..

تمنيت ان اكتب مقالة (بعنوان العودة بقدري الى بديا) لكن لم احظ بهذا الشرف!!

وعلى مدار الساعات الماضيات رحت اتأمل قصة قدري بهدوء ووجوم، حتى جاءني صوت الصديق سمير الحياري معزيا اياي، وفي نهاية حوارنا الثلاثي (معالي الدكتور صبري ربيحات، وسمير، وانا) قال بحنو: لا تتأخر علينا في المقال، عمون.. تنتظر مرثيتك!!؟

لو أن العرب لم يخلقوا سوى لغتهم وقرآنهم، فان ذلك يكفيهم فما من احد في الكون بقادر الادعاء ان في لغته ما يشبه العربية من ظلال اسرة لكل حرف من حروف العربية ولا تركيبا اشهى من تراكيبها!

لذا فان كلمة حزن كلها فتنة، كلها غواية، وفيها لمعة في حروفها تشبه لمعة القمر حين يتزنر بدنو الزهرة منه وبهالة يصطنعها حين يطل على الاكوان كلها !!

لذا ابدأ مرثيتي لذلك الطيب الطاهر بكلمة: انا حزين لموته وفراقه!!

واقول فيه على اول السطر كل القصة مهما طالت فانا لاول مرة لا اكتب لقارئ بعينه بل انني اهذي هذيان العاشق الذي انسحبت منه قصته فجأة ومن دون سبب مقنع، واهذي لوحدي ولست ادري ان كان ما يأتيني من احزان مركبة تبيح النشر او لا فذلك امر اتركه لـ سمير الحياري !!!

ما اقبح السوشيال ميديا، وما اشد بهاءها حين توظف لاختراق موانع (يهود) الذين ما اكتفوا باغتصاب كل الوطن واستلبوا حكايته، لكنهم اباحوا لانفسهم، مصادرة الحزن للفلسطينيين وللعرب وللمسلمين كافة!!

إنهم يحولون دون ان اودع (قدري ابو بكر) في مرابع بديا التي صنعتنا معا وليس لاي سبب بل لرغبة منهم الاستيلاء حتى على مشاعر الناس في الموت

والسادة الامريكان يقفون في وجه الاحتلال الروسي الغاشم الظالم لاوكرانيا ويلقون على حذاء ذلك اليهودي الممثل (التيرسو) زيلنسكي
بكل الاحتياط الفيدرالي الامريكي لتحرير اوكرانيا، وحين يصير الحديث عن فلسطين فان سادة اللعبة الكونية في واشنطن (يعربون عن قلقهم ازاء حدة التوتر في الضفة الغربية)!!!!

منذ الصبح تسمرت على شاشة تلفزيون فلسطين، لاشاهد لحظات الوداع التكريمية للمناضل الحقيقي (قدري)، كان المشهد في المقاطعة
مرثية حقيقية، كانت ابنة عمي (الدكتورة القانونية اريج) قد اضفت بهالة حزنها وتجلدها وصبرها الوطني وحين عانقها (الختيار الطيب الذي لم يتبق له في سلطة رام الله سوى وداع نعوش رفاق مسيرته) دفق الختيار بدمع يليق بقدري فهو العارف لقدره وبكت اريج بجلال يليق بمكانة ابيها (المربي الفاضل الذي ترك لنا وصية صون العشيرة برسالتها النظيفة المرحوم مصطفى)..

احببت ان اشم والموسيقى تصدح على نعش (ابو فادي) لحن الرجوع الاخير، رجاء من الله لو ان هؤلاء (مساطيل يهود) الذين يحكمون
يتركون هامشا للعيش الكريم والانساني للفلسطينيين، كي تتسع بدلة الرئيس الفلسطيني قليلا، ولكي ترتاح الموسيقى بعض القليل ايضا لكن ارادة الله هي التي ستحكم المشهد الاخير في مهزلة الطغيان والغطرسة والاستكبار اليهودي وكذلك قدرة الفلسطينيين على حشد المزيد المزيد من الدم الطهور ليصير شلال الحرية نهرا هادرا..

حين تهادى نعش قدري وانا اتابعه على الفيسبوك الى مقبرة شيخ حمولتنا ومنفذ قرار انبعاثها (ابو رفعت/ محمود العودة يرحمه الله) لم ار قدري يسكن الكفن!!

رأيت عن بعد.. وطنا كله في كفن، انه كفن قدري

ابو فادي الحبيب قدري، هوا وانا، نتشابه في كل شيء بالطفولة والفتوة، نحن ابناء عمومة (مش لزم) يجمعنا قبل الجد الخامس (جدان)
لكن طفولتنا كانت اخوة مطلقة بيننا في العمر عدة اشهر… كان قدري مو (ابن عيشة) كما يقال عادة في الادب الشعبي دوما جاهز لان (يبعط) من يعترض طريقه وقد فعلها، معه شبرية يخفيها دوما جاهزة للانقضاض، ويحمل منفاخ بسكليته ليكون عصاه السحرية التي (يفعطها) في وجه الخصم فتطول فجأة

لزم أن أقول ان عيونه كانت زرق وتغني فيها من الملاحة ما يزنرهما بشقرة حمراء تلتهب في حر الصيف كنا نتشابه في كل شيء في القامة ولون العينين وحمرة البشرة وحب الركض لكنه كان اكثر منا جميعا في شقاوتنا الطفولية..

كان قدري فارسا منذ اول الطفولة يأخذنا دون خوف او وجل لملاحقة اسراب الحجل ويقحف فجأة (عش الدبابير) كان به ولع للقضاء على الدبابير في اعشاشها البائسة في صيف بديا المضمخ برطوبة (المتوسط) التي تعكر الامزجة لكنها تجعل من فاكهة التين في عز الصيف اول الملذات

كل الاطفال في ذلك الدغل البيزنطي البهي من الزيتون الدهري اقترفوا فرية سرقة الزيتون وبيعه في المواسم الخصبة الا قدري
كانت له فلسفته الخاصة ينتظر حتى يكوم ابوه الثري باكثر من ابائنا محصول زيتونه ويأخذنا في عتمة الليل لنجوس اطراف (المالطي / قطعة قماش ضخمة يسجى عليها المحصول) من مزرعة ابيه ونسف كيسين او ثلاثة لنبيعها لاسوأ شخص يبتز طفولتنا ويعرف اننا اقترفنا الاختلاس من زيتون العم ابو عامر (والد قدري)

سوف أطيل بكل تفاصيل قدري لأنه اخر انسان في حياتي يستحق مني لانه احسن مني ان اقول فيه عنه كل شيء

قضينا معارك بين الحارة (التحتا) والحارة (الفوقا) وكان من يحسم كل جولة في المواجهة (الثلاثي القادر) قدري ابو بكر، وماهر ابو سيف، وسمير السيد احمد) وانا صاحب الخطط وكلنا من سلامة، تجمعنا روح الفريق الواحد والمحبة.

لما داهمنا الاحتلال مثل مرض السل الذي داهم البير كامو سنة ١٩٦٧ وفي حزيران البائس منه لم نلتق الا لماما وفرقنا الاحتلال بددا، ورغم صغر اعمارنا الا اننا وجدنا من ابناء عمومتنا الاكبر مصابيح هداية في مقارعة الاحتلال، كان هو قد قاده حظه الى قائد وانا الى قائد اخر وعلى حين فجأة.. زارني ذات ليلة ممطرة في اذار على ما احب ان اتمنى ان اكون دقيقا او قبله بشهر او بعده باسبوع لكن ذلك وقع على حواف معركة الكرامة وقال لي: قوم احمد اريد ان نجلس في المقبرة لاسر لك بشيء خاص جدا..

دارة ابي البهية اكثر من اي دارة في بديا كانت تجاور المقبرة بل كأنهما خلقا لبعض وكان ذلك البستان البهي المتحدر من جد ابي اليه ذي الاربع دونمات ويزيد له اسم يماني (المقيل) هو دارتنا،

خرجت معه كان هادئا مثل اول ثمرة البلوط حين تشق افطيتها وتندفع ببطء، كان قدري اكثر فدائي بالكون هادئ رغم كل العواصف التي يستطيع ان يصنعها في ومضة واحدة، هو فيما اعتقد ان (نمرا قد وهبه روحه)، جلسنا على حافة المقبرة قال بتصميم: جئت لاودعك انا ذاهب للأردن، أريد ان التحق بالعمل الفدائي!!

همهمت في وجهه، ما احنا هينا هون وسنقاتل يهود مستقبلا!!

اجاب دون تردد، أريد سلاحا لافرغه في صدورهم… غادر قادري وبر بوعده واشترك في عدة عمليات عبور للداخل وفي الثالثة كما يحلو لي ان احتفظ بذلك وقع في كمين لئيم في قرية (يتما) وراح الى غيابات سجون يهود سبعة عشرة سنة..

أكمل الثانوية في السجن وتفرغ لخوض معركة (الاقدام العارية) معارك الاسرى وطور مفاهيم ونظريات في ذلك ثم مرض قدري في السجن، وغادر قبل ان ينهي مدة حكمه بضغط من الصليب الاحمر بثلاث سنوات، فقد كان محكوما عشرين سنة وقد رتب له العم الكبير الدكتور رفعت رحمه الله، قبولا في العراق

ولما ابعد الى الاردن

سنة ١٩٨٧م في طريقه الى بغداد، تم توقيفه في احدى مراكز الاجهزة الامنية كنا نرغب ونتمنى ان يقضي معنا ليلة واحدة محمود عودة وانا وقبلنا خاله الدكتور رفعت رحمه الله… خدمنا الحظ حيث كان اعز صديق واخ هو المسؤول في ذلك المكان كان المدعي العام جمال بيك الضمور هو من سهل واستقبل (قدري) بحفاوة تليق به واذن لنا ان يقضي معنا ليلة واحدة قبل ابعاده الى بغداد

رأيته في مريوله الازرق كان وادعا مثل طاووس مل نثر ريشه صامتا كعادته ولم يجد اية صعوبة في تعرفه علينا الدكتور رفعت والمهندس محمود وانا)، طفنا به في جبل الحسين البسناه اجمل حلة مع تمنعه وقضينا الليل في دارة ابو مصطفى محمود عودة

بعدها التقينا في بغداد كنت ذهبت والعود الشهم عبد الله العتوم رفيق المهنة المتعبة لتغطية اهوال حرب سقوط الفاو في يد ايران بشباط ١٩٨٦، واكرم وفادتنا (ابو فادي) كان فادي قد اضحى حقيقة من تلاقي العزيزين (اريج وقدري) وفادي اليوم هو زميل في الكتابة مبدع وعميق..

ثم بعد ذلك عدنا نتلاقى كل لحظة نستطيع ان نسترق فيها اللقيا

اللواء قدري عاش وسط النار في الامن الوقائي وفي شؤون الاسرى على مدار وجوده في السلطة الوطنية حتى ادرك رتبة وزير، ظلت كفه بيضاء مثل قلبه الطهور لم يدنس مسيرته رغبة بمال حرام ولا اتصال يفسد السمعة وظل رحمه الله هادئا كالشمس اول البزوغ
تبشر بالدفء لكنها لا تزعج بحرها

كان قدري بطلا وطنيا لم يتعصب لتنظيم بعنصرية او بتزيد وظل جبهوي الطعم والمذاق وحين باشر ملاحقة قضايا الاسرى ابلى بلاء من عاش المر من التجربة

قدري.. صنع لنا هيبة وسمعة، وترك اثره الخالد على مستوى وطنه.. كان يحلم وكان يعمل بغية تحقيق حلمه ان تكون فلسطين حرة ومستقلة قبل ان يعود الى ترابها ليخصبه من جديد، لكنه مات قبل ان يتحقق حلمه.

كانت ابنتنا الملهمة بكر محمود (حنين عودة) التي تقيم في المانيا قد قررت مفاجأة قدري حين اكمل السبعين بفيديو ولقد خصتني بان اقول فيه عن مناقب الراحل كان لم يرتحل بعد وكنت قد التقيته حين زارني اخر مرة متجها الى بغداد في زيارة عمل ولم اكن ادري ان ذلك الفيديو كان وداعا وليس تهنئة.. والحمد لله انه قد استمع الى كل الاراء فيه.

هل يجوز أن اختم قبل ان اذكر المحامية نخوتنا وشيختنا الدكتورة اريج الغالية الحنونة (ام فادي)، من قال إن وراء كل عظيم إمرأة كان صادقا جدا، لكن من لم يقل وراء كل مناضل فذ صادق إمرأة مثل اريج يكون مخطئا..

ام فادي.. نسجت خيوط حبها لقدري على شباك الزيارات المتتالية، وكانت هي الحافظة للأسرار، الناقلة للتراسل بين السجن وبين صوفي فلسطين (ابو جهاد يرحمه الله)، ومع حب الوطن نما حب ابن الوطن وظلت اريج تلك الريحانة التي عطرت المسيرة، ورفعت من شأن الاسرة كلها وناضلت النضال الفذ، وكانت مسيرتها من وراء نعش قدري

بالامس، القصة الساحرة الاسرة فينا لها الصدارة ولها السبق، فيا اخت الرجال، ويا بنت الرجل الاحب الى القلوب، ويا ام المفكر الطالع فينا كالنرجس فواحا، يا صورة الصمود والخلود، رحم الله قدري بما حقق وصنع، واطال الله في عمرك واحسن الله عزاءك يا بنت العم العزيزة بالصبر والايمان..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :