الحرية والإساءة لا يلتقيان
بسمة العواملة
03-07-2023 11:25 AM
لم يكاد يمضي اسبوعين على الإحتفال باليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية، والذي دعا فيه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الى التكاتف و التعاون لأجل بناء عالم اكثر إحتراما وتحضرا بهدف إتخاذ إجراءات فعالة لإنهاء خطاب الكراهية، الا ونحن امام حادثة إحراق القرآن الكريم بكل ما فيها من إزدراء و اساءة بحجة حماية الحق في التعبير، في استفزاز واضح لمشاعر 2 مليار مسلم في شتى ارجاء العالم .
وعلى الرغم من أن جميع المواثيق الدولية قد حرصت واكدت على وجوب إحترام حق الإنسان في إختيار عقيدته و ممارسة شعائره بكل حرية، فقد نصت المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان بأن لكل شخص حق في حرية الفكر و الوجدان و الدين، و حريته في اظهار دينه ومعتقده .
كذلك الامر بنص المادة 19 من ذات الإعلان العالمي والتي اكدت على حق كل شخص بالتمتع بحرية الرأي و التعبير ، النابع من المادة الثانية بأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تميز من أي نوع .
وبذات الوقت يحرم القانون الدولي الاساءة للمعتقدات الدينية للآخرين ، فالقانون الدولي فرق بين حرية إنتقاد الآراء و الأفكار وبين إزدراء الأديان و الاساءة الى معتقدات الآخرين، وقد إعتبرت جميع الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية جريمة إزدراء الأديان جريمة ضد الإنسانية ، حيث أنها تدخل في جريمة الاضطهاد الديني كذلك بالتمييز العنصري العرقي والديني الناتج عن إختلاف الدين او المعتقد .
وعلى الرغم من أن هذا الحق مكفول لكل انسان وفقا للمواثيق والمبادىء الدولية، الا انه على الجانب الآخر شهد خلال الآونة الأخيرة الكثير من الإنتهاكات و الاساءات المتتالية بحجة الحق في ممارسة حرية الرأي و التعبير، ولكن حرية التعبير يجب أن لا تتعدى على حرية و معتقدات الآخرين ولا يجوز أن تتجاوز لتصل حد الاعتداء على مشاعر الآخرين و التسبب بضرر و اذى لمشاعرهم الدينية ، و الحرية كذلك لا تعني الفوضى.
فهذا الاعتداء غير الاخلاقي يمثل نوعا من انواع العنصرية على اساس الدين و المعتقد ، وهو مجرم في القانون الدولي وفي معظم القوانين المحلية لما له من نتائج و تداعيات تمس و تزعزع السلام والأمن العالمي وفيها إجترار لاعمال العنف واشعال لفتيل الحرب بين الدول و الاقليات .
وكرد أولي على قيام احدهم في دولة السويد بإحراق المصحف الشريف في عمل لا يخلو من العنصرية و التعصب الذي يفضي الى تأجيج لمشاعر الكراهية بسبب الاساءة المتعمدة وما يتبعه من خلق للفتنة وتهديد للسلم والأمن المجتمعي، فقد تقدم أحد الإعلاميين بدعوى قضائية لدى مركز شرطة مالمو جنوب السويد مطالبا بمعاقبة مرتكب الفعل بجرم التحريض على الكراهية الدينية وغيرها من افعال مجرمة بالقانون الدولي .
ولما اصبحت هذه الاحداث تتكرر وبشكل دوري، اصبح من الواجب على المجتمع الدولي بإتخاذ التدابير الازمة وبعدم الاكتفاء بالتنديد و الشجب لهذه الممارسات، وانما يجب تجريم هذه الافعال والتصدي لها بشكل اكثر وضوح وجدية لضمان عدم تكرارها .
وهذا ما تعلمناه في أولى ابجديات الحقوق والحريات، من انه تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين .
"الدستور"