العنف يضرب مجددا في الاردن .. فماذا انتم فاعلون؟
د.خليل ابوسليم
07-01-2011 03:06 PM
أصبح روتينا يوميا وأسلوب عيش بطعم العلقم، يتجرعه الأردنيون طالع كل نهار، فما أن تهدأ بقعة من الوطن العزيز حتى تثور أخرى مغطية على سابقتها، ليهرع المسئولين إلى موقع الحدث، على أصداء جريمة قتل وعنف عشائري بدأ يجنح نحو الشطط والغلو من خلال ردات الفعل غير المسبوقة والتي يفرغ فيها أبناء المجتمع جام غضبهم وسخطهم على الدولة وأجهزتها التي بناها بعرق الجبين على مر السنين.
وغدت مهمة الأجهزة الأمنية غاية في الصعوبة والتعقيد في مواجهة تلك المشاجرات، التي باتت خطرا يهدد كينونة الأردن وأهله الطيبين ويسير بهم نحو الهاوية.
أن تحدث المشاجرات والنزاعات فذلك أمر طبيعي في أي مجتمع من المجتمعات وفي أي بقعة من أصقاع الدنيا، أما أن يصبح ذلك الحدث هو الهم اليومي والشغل الشاغل لذلك المجتمع فهذا هو المرفوض، ومن غير المقبول أن يصبح أبناء المجتمع الواحد كل يناصب العداء للآخر ويتحين الفرصة لتفريغ غضبه وسخطه لسبب أو لآخر.
عندما نشب الصراع العربي الإسرائيلي، كان بسبب احتلال عدو غاصب لأرض عربية طاهرة، نتج عنه تشريد وتغريب لشعب بأكمله عن أرضه ودياره، وبات يعيش اليوم في ظروف اغتراب أقسى ما تكون، حيث المخيمات المنتشرة في أصقاع الدول العربية وحيث الجهل والفقر والبطالة والجريمة يخيمان على تلك المخيمات.
إذن، فالصراع أسبابه معروفة، ونتائجه كانت وخيمة على الشعب الفلسطيني وما زالت ماثلة للعيان، أما صراعنا الداخلي فلن أقول أن أسبابه غير معروفة، بل هي مفتعلة من قبل حكومات متعاقبة وما زالت من خلال ممارستها اليومية ضد شعب يكد خلف قوته وبات في صراع دائم مع معركة البقاء على قيد الحياة بفضل سياسات إقتصادية يصعب التأقلم معها والعيش في كنفها،في ظل المتغيرات السريعة التي تعصف بالعالم من حولنا.
من يقول أن أسباب تلك المصادمات غير معروفة أو يعزيها إلى جهل وتخلف، فهذا هو الجهل بعينه، وهذا قمة التخلف لدى هولاء المنظرين الباحثين في الهم الإجتماعي.
وفي هذا المجال، لا أطلب سوى القاء النظر على أسباب الإقتتال الحاصل خلال العامين المنصرمين فقط، لنجد أن معظمها إن لم يكن كلها، كان لأسباب إقتصادية بحته.
فالمواطن الذي يهرب من رقيب السير خوفا من مخالفة ظالمه تكبده معاناة مادية فوق معاناته النفسية، لتكون نهايتها قتل ودمار وتخريب، والعامل الذي يفتعل المشاجرة حرصا على رزقه أن ينقطع، والمواطن الذي يسرق أو ينتحر، وتلك التي تتاجر بعرضها وشرفها بحثا عن لقمة العيش لتكون ضحية شرف بلا شرف، والآخر الذي يتاجر بالمخدرات بحثا عن الثراء، حتى أولئك الذين قضوا نحبهم جراء الإختناق بالمدافىء وصوبات الحطب، وغيرها الكثير الكثير من الحوادث، إنما مردها ذلك التضييق الإقتصادي والسياسات الخرقاء التي تمارسها الحكومة ضد شعبها الذي تتغنى بإسمه وتشحد المساعدات على ظهره لتذهب نهبا في جيوب المسئولين، وبالتالي فهي تتحمل وزرها إلى يوم الدين.
لقد شوه العنف الإجتماعي صورة الأردن والأردنيين خارج الوطن، وأصبحنا حديث كل الفضائيات والشعوب الأخرى، مثلما أزهق من الأرواح ما لم يتمكن منه العدو في معظم معاركه التي خاضها معنا، لا بل أصبح العنف الإجتماعي أشد وطاة وأكثر خطرا من التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي نكد في محاربتها، ونصرف الأموال الطائلة للحؤول دون وصولها إلينا.
ثم ما هي النتيجة؟ شعب مغترب داخل وطنه، حيث بالكاد توجد عشيرة، إلا وهناك فخذ أو ضلع منها دخيل ولاجىء على مدينة أو عشيرة أخرى، يعيشون ضنك العيش وبؤس الحياة، وهذا سبب آخر لإنتشار الجريمة من خلال الفقر والبطالة الناشيء عن الإغتراب داخل الوطن.
ومن هنا فلم يعد هناك فرق بيننا وبين اللاجئين في المخيمات من حيث الإغتراب وقسوة الحياة، فهل المطلوب أن نمنحهم بطاقة المؤن حتى نطلق عليهم لقب المهجرين أو اللاجئين؟
وفي ظل هذا الوضع المأزوم بفعل أغرار السياسة والهابطين عليها أو من يدعونها على الأقل، فقد باتت العشائر الأردنية برجالاتها الطيبين ونسائها الطاهرات، الكل منها لاجىء لدى الآخر.
الأسئلة كثيرة في هذا المجال، ومنها ما قد يقع في جانب المحظورات أو الخطوط الحمر التي باتت تزين حياة الأردنيين للدرجة التي سالت معها دمائهم بلون تلك الخطوط، لكنني أتساءل ومعي الكثيرين بالسؤال الكبير إلى حكومتنا الرشيدة أم ال 111 ثقة، وإلى مجلس نوابنا صاحب الكرم الحاتمي وأبو الثقات المطبوشة وغير المسبوقة في تاريخ المجالس النيابية، ماذا فعلتم غير الشجب والتنديد والإستنكار وتشكيل اللجان الميتة منذ ولادتها لحوادث أنتم السبب الأول في حدوثها إن لم يكن افتعالها؟ وماذا فعلتم غير إطلاق التصريحات وتحريك قوات الدرك من منطقة إلى أخرى مكبدين الوطن خسائر إقتصادية وإجتماعية يصعب احتمالها في ظل عجز متراكم ومديونية خانقة أوقعتم البلد فيها؟ وأين ذهبت التوجيهات الملكية لكم بضرورة الوقوف على أسباب ظاهرة العنف المجتمعي ومعالجتها؟.
ثم هل فكرتم يوما بالكلفة الإقتصادية الناتجة عن تلك الحوادث؟ وإمكانية توجيهها لمشاريع إقتصادية مدرة للدخل تقضي على الفقر والبطالة، أم أن مصلحتكم تتطلب ذلك، حيث بقائكم ممتطين ظهور كراسيكم وصهوة مناصبكم تتطلب سياسة فرق تسد التي أصبحت السمة المميزة لسياساتكم التي عصفت وستعصف بالأردن وأهله، ولا نراها بعيدة عن هذا الإتجاه.
لقد آن الأوان أيها السادة الكرام، أن تضعوا المنظار على أعينكم السليمة، لتشاهدوا النتائج المؤلمة على أرض الواقع، بدلا من الإختباء في مكاتبكم الوثيرة، وإلا فإنكم ستصحون ذات يوم دون شعب تحكمونه وترسمون سياساته فالنار في النهاية لا تأكل إلا بعضها بعضا.
kalilabosaleem@yahoo.com