منذ ظهور تصنيفات الجامعات العالميّة قبل نحو عشرين عاماً، والسؤال المُلحّ يُطرح: متى تكون جامعاتنا من أول 500؟
ومقصدُ السؤال مرتبطٌ بِنيّةِ السائل:
منهم من طرَحه من قبيل السُّخرية والازدراء، المبنيين على الجهل أو السوء؛ بمعنى أن جامعاتنا عاجزة عن دخول هذه الفئة.
ومنهم من طرَحه من باب الأمل، علّ جامعاتنا تكون يوماً في مصافّ الجامعات العالمية.
ومنهم من طرَحه بسبب شعور بالإحباط واليأس لكثرة التحدّيات التي تُواجهها جامعاتنا؛ وربّما لعدم إيمانهم بالتصنيفات.
ومنهم من طرَحه ليكون هدفاً استراتيجياً يتم العمل من أجله؛ وهذا ما حصل في عدد من جامعاتنا، التي استجابت للتّحدي.
ولعلّ القاسم المُشترك بين الطروحات هذه، رغم اختلاف المقاصد، أنّ دخول جامعاتنا هذه الفئة ليس بالأمر السهل: بسبب التنافسية العالية بين الجامعات، ومنها العملاقة المعروفة بتميّز أدائها في كل شيء، أو المنشأة حديثاً في منطقتنا والعالم المُدجّجة بكل أنواع الدّعم والإمكانات.
أما ظروف جامعاتنا، وبالذات الرسمية، فمعروفة: إنها مثقلة بالأعباء والتحدّيات.
ومع ذلك تنافس، بما يتوافر من سُمعةٍ وإرثٍ وأبعاد تميزٍ في البحث والتدريس والإدارة.
وها هي الأردنيةُ تَفعلُها، ومَنْ غيرها يَفعلُها؟
لله درّكِ، أيّتها الجامعة الأمّ؛ ومَنْ غير الأمّ يصنعُ المعجزات؟!
إنجازٌ كبيرٌ وتاريخي؛ خبرٌ مفرحٌ؛ فما حدث نصرٌ وانتصار للوطن بأكمله، الذي أصرّ على إنشاء جامعته الأولى، بتحدّياتها وكُلَفِها آنئذ، والتي كانت على حساب أولويات أخرى.
وقصّة الأردنيّة هي قصّة الأردن، ومن هنا ارتباط اسميهما وحاليهما: إصرارٌ ونجاحٌ رغم الظروف والمعطيات. فهي، كما قال شاعرنا الكبير، «رايتهُ وعباءتهُ».
يُمكن قول الكثير، بيْدَ أنني أكتفي بالآتي:
أولاً، هذه النقلة لم تأتِ من فراغ، وهي ليست صُدفة؛ فخلال السنوات الماضية، حققت الأردنية، التي صُنّفت بداية ثلاث نجوم حسب تصنيف كيو أس، ثم أربع نجوم، ثم خمس نجوم، تقدماً ملحوظاً على مستوى الحُقول والتخصّصات والتي دخل العديد منها فئة ال500. إذاً هذه النقلة الكُليّة سبقتها قفزات فرعية، وهي نقلة تراكميّة نتيجة الجهود المبذولة عبر عدة سنوات، والتي تمتد لبداية تأسيس الجامعة على أسس متينة.
ثانياً، تكمن أهميّة هذه النّقلة في أنها كسرت حاجزاً كبيراً، أشبه ما يكون بما يفعله الرياضيون في تحطيم الأرقام العالمية، وهذا بُعد مهم لهذا الإنجاز؛ بيد أن أهميته تكمن كذلك في تحفيز جامعات الوطن بكسر الحاجز؛ فالأردنية لم تكن يوماً تُفكّر في نفسها فقط، بل هي الأمّ والشقيقة الأكبر التي لا تكتمل فرحتها إلا بتقدّم جامعات الوطن؛ ومما يثلج الصدر أن عدداً منها تقدم فعلاً، وإن لم يَكسِر الحاجز.
ثالثاً، ما حدث إنجازٌ مهمّ وتاريخي؛ بيد أنّه ليس نهاية المطاف، بل بدايته. وهو يُشكّل تحدّياً كبيراً، وحافزاً، ليس للحفاظ على الإنجاز بل للتقدم في التصنيف؛ وهذا يتطلب معالجة التحديات كلّها.
مهمٌ أن نُدرك أنّ التصنيفات لا تُحيط بكل الجوانب والتحديات، حيث تُركّز على معايير مُحددة؛ في حين أننا مُلمّون بكل الجوانب ومُدركون لكلّ التحديات، ومن هنا لا بد من عمل دؤوب حتى نرتقي بكافة أبعاد الأداء، حسب معايير الجودة والتي هي أشمل وأعمّ من معايير التصنيف.
مبارك لإدارة الجامعة الحالية ومجلس أمنائها على الجهود التي تمثّلت في إضافة لبنة كبيرة إلى هذا الصرح، وللإدارات السابقة التي بَنَت وطوّرت، ولأعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلبة وأصدقاء الجامعة وداعميها؛ ومبارك، قبل كلّ هذا وبعده، للقيادة الهاشمية المُلهَمة والمُلهِمة التي شملت الجامعة بالرعاية والدعم والاهتمام منذ فكرة تأسيسها.
ولعلّ أدقّ وصف لهذا الإنجاز، وأحد أهم أسبابه، ما ورد في نشيد الجامعة، تحت عنوان «باسم أردننا، اسمها يَكبرُ». نعم: كبيرٌ اسمكَ يا أردنّ؛ كبير اسمكِ يا أردنيّة، ويَكبرُ.
"الرأي"