صحيح أن رؤية الأحزاب الاقتصادية تتباين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار: منها ما يدعو إلى تصاعدية الضريبة، ومنها ما يطالب برفع المعونات الاجتماعية، وبعضها ينادي بتوسيع دور الحكومة الاستثماري، وجزء منها يعد بتمكين وتحفيز القطاع الخاص.
المشكلة في الأردن أن السياسة الاقتصادية محكومة ومقيدة سلفا باعتبارات متعددة، فالمديونية مرتفعة، والضرائب كذلك، والعجز كبير، والفئات المستفيدة متجذرة ومتشعبة، لا تقبل المساس بمكتسباتها تحت أي اعتبار.
هذا لا يعني أن تتخلى الأحزاب عن رؤاها الطموحة وبرامجها المتكاملة المنبثقة عن فكرها وأيدولوجيتها، إنما المطلوب أن تترافق هذه الرؤى مع أفكار خلاقة ورشيقة قابلة للتطبيق، وذات أثر مباشر على حياة الناخبين، يمكن أن تشكل الدمغة الاقتصادية للحزب، أو علامته الاقتصادية المميزة إذا جاز التعبير.
فمثلا يمكن لأحد الأحزاب تبني فكرة تخفيض عدد أيام العمل الأسبوعية إلى أربعة أيام، ويمكن لآخر أن يتعهد بتخفيض فائدة قروض الإسكان ضمن آلية معينة، فيما يستطيع حزب معين تبني رفع أو خفض سن التقاعد، ولغيره أن يقترح إعفاء قطاع بعينه من الضرائب مقابل إجراءات توفيرية مبتكرة، أو أن يعد بابتعاث أوائل المحافظات إلى أرقى الجامعات العالمية لرفد الاقتصاد بالكفاءات.
هذه الأفكار على بساطتها ومحدودية نطاقها قادرة على جذب قواعد الناخبين، ورفع معدلات المشاركة في الانتخابات. فهي تمس مصالح الناخبين المباشرة (المسيسين وغير المسيسين) بعيدا عن خلافات الأيدولوجيا وتابوهات السياسة، وتفتح المجال لحوارات الرأي العام بعيدا عن لغة الاستقطاب والاتهام والتخوين، كما أن نجاح أحد الأحزاب بتطبيق واحدة من هذه المبادرات كفيل بتعزيز زخم العملية الحزبية، ومنحها مصداقية شعبية على نطاق أوسع.