من المقرر أن يمر عالم العمل بتغييرات كبيرة في السنوات المقبلة، مع إلغاء واختفاء ربع الوظائف تقريبا في السنوات الخمس المقبلة نتيجة مجموعة كبيرة من العوامل ستلعب دورا في التغيير، ستتنوع ما بين التطورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي إلى تغير المناخ. حيث أظهرت نتائج دراسة أعدها المنتدى الاقتصادي العالمي، أن فرص العمل للمتخصصين فى الاستدامة ومهندسي التكنولوجيا المالية ومحللي البيانات والمعلومات ستشهد نمو 30 %، كذلك أكثر من 30 مليون وظيفة فى العالم سيخلقها الاقتصاد الأخضر.
عندما تكون حالة عدم اليقين عالية، يمكن أن يساعد التنبؤ، ليس في توليد تنبؤات مؤكدة، ولكن لتوفير طرق للتفكير في التحديات المقبلة والاستعداد بشكل أفضل للعقود الآجلة المتعددة التي قد تتكشف. تشير التوقعات أن 23 % من الوظائف ستتغير، مع إلغاء بعضها واستحداث البعض الآخر، حيث الخسائر الأكبر متوقعة في الوظائف الإدارية والأمنية وفي المصانع والتجارة التقليدية، كذلك تراجع الوظائف الإدارية على وجه الخصوص سيكون مدفوعا بشكل أساسي بالرقمنة والأتمتة.
وكذلك ستشهد بعض القطاعات زيادة في خلق فرص العمل مرتبطة بالتكنولوجيا هي التعليم والزراعة والصحة.
توسعت الوظائف الخضراء، لتصبح من بين الأسرع نموا في جميع أنحاء العالم؛ حيث تهيمن صناعة الطاقة الشمسية على الحصة الأكبر بمجال توليد الطاقة. ومن المقرر أن تصبح الطاقة الشمسية، المصدر الرئيسي للطاقة في أوروبا قبل نهاية العقد، وقد يؤدي ذلك إلى إيجاد 4 ملايين وظيفة في جميع أنحاء أوروبا بحلول العام 2050. وفي الولايات المتحدة، من المتوقع أن تتوسع الوظائف الخضراء إلى ما يقرب من 24 مليونا، وتشكل 14 % من إجمالي الوظائف الأميركية بحلول العام 2030.
حيث سيعتمد نجاح الأهداف المناخية الطموحة على توافر المهنيين المؤهلين، الأمر الذي سيتطلب تحولا جوهريا في أسواق العمل، وذلك لزيادة الكفاءة والابتكار والتقدم التكنولوجي في قطاع الطاقة، وكذلك تطبيق المعايير البيئية والاجتماعية والمعايير الخاصة بالحوكمة (ESG) على نطاق أوسع، وتوطين سلاسل الإمداد، إضافة الى تبني أفضل الممارسات المستدامة والبيئية في مبادئ التصنيع والتجارة الخضراء، وبالتالي زيادة تنافسية الصادرات.
يمثل تغير المناخ تحديا يؤثر في مجالات الصحة والغذاء والطاقة والمياه، وغيرها، وسيركز مؤتمر (COP28) على اعتماد نهج شامل لتحقيق انتقال منطقي وعملي وعادل في قطاع الطاقة، وتقوم الشركات الصغيرة والمتوسطة بدور مهم في هذا المجال، فهي تمثل 80 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتستطيع تسريع العمل على ابتكار تقنيات قادرة على إحداث تأثير إيجابي مستدام نحو الحياد الكربوني، وهذا يتطلب المزيد من الاستثمارات والتمويل المناخي في انتقال الطاقة يركز على الاستدامة والتكنولوجية.
إن نجاح تلك الجهود يعتمد على الأفراد بصفة أساسية، فنحن بحاجة إلى بناء القدرات وتنمية المهارات لتدريب الشباب على وظائف المستقبل، لأننا يجب أن نحقق إنجازات فعلية في العمل المناخي بشكل متزامن مع توفير فرص للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يتطلب هيكلا ماليا دوليا أكثر مرونة لتحفيز مؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف لتوفير التمويل الميسر بالسرعة الكافية، وكذلك استكشاف آليات جديدة لتقليل المخاطر، وتحفيز استثمارات القطاع الخاص على نطاق واسع، لبناء سلسلة من مشروعات الطاقة النظيفة المستدامة والمؤهلة لتلقي التمويل المصرفي.
في عالم كثيف التكنولوجيا وأكثر اخضرارا ويحتمل أن يتراجع عن العولمة، سيكون تطوير المهارات المحلية أكثر أهمية من أي وقت مضى، وبالتالي هناك حاجة إلى جهود كبيرة لإعادة تشكيل المهارات وتطوير القدرة على التعلم المستمر. وكذلك يجب على الحكومات توفير الموارد من خلال استثمارات كبيرة في نظم المهارات، والشراكات مع قطاع التعليم لدفع التغيير على نطاق واسع لصالح التفكير التحليلي والإبداعي واستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة.
إن أهم الاتجاهات التي تلعب دورا أكبر في خلق الوظائف في سوق العمل الأردني يأتي على رأسها، دعم الاستثمارات في المشاريع الأكثر حفاظا على البيئة (التقنيات، والبنية التحتية، والمنتجات)، وإطلاق برامج تدريبية ريادية ومبتكرة، واستغلال الموارد، وتعزيز القدرة التنافسية التصديرية للأردن، وبالتالي، إيجاد وظائف عالية الجودة ومستدامة للمستقبل خاصة لفئتي النساء والشباب.
الغد