اليورو الرقمي على الأبواب
د.عدلي قندح
01-07-2023 10:56 PM
كتبت مقالاً في جريدة الرأي بتاريخ 6 آذار 2022 حول موضوع الدينار الرقمي وقلت بالحرف: "باعتقادي أن البنوك المركزية قد تأخرت كثيراً في إصدار عملاتها الرقمية الرسمية Central Bank Digital Currencies CBDC وأعطت فرصة هائلة للعملات الافتراضية المشفرة cryptocurrencies لقضم حصص أكبر من المعاملات الرقمية، سواء على شكل مدفوعات أو تحويلات على مستوى العالم." وأكرر مرة أخرى بأن العملات الرقمية المشفرة عبارة عن خصوم ومطلوبات liabilities وليست أصول مالية Financial Assets بالمعنى المالي للكلمة، وما يؤسف أنها استطاعت أن تجذب لها فئة ليست قليلة من الشباب للتعامل بها. وهذا ما أكدته أخيراً كريستينا لاجارد رئيسة البنك المركزي الاوروبي في احدى مقابلاتها. وهي مقتنعة الان بضرورة إصدار يورو رقمي لمواكبة التحولات الرقمية العالمية التي نعيشها. وتشير التوقعات أن يصدر اليورو الرقمي في منتصف هذا العقد إن لم يسبق ذلك.
ويمكن إعتبار إدخال اليورو الرقمي خطوة مهمة نحو تقليل الاعتماد على عملة اليورو الورقية. في حين أنه قد لا يؤدي على الفور إلى التخلي الكامل عن العملة الورقية، إلا أنه يضع الأساس للتحول الرقمي في المستقبل. إن إدخال اليورو الرقمي على العملة الأوروبية سيعمل على تبسيط المعاملات ويجعلها أسرع وأكثر ملاءمة وفعالية من حيث التكلفة. ويمكن أن يسهل المدفوعات عبر الحدود داخل منطقة اليورو ويقلل من تعقيدات المعاملات.
ولا شك بأن اليورو الرقمي سيتمتع بالقدرة على تعزيز الشمول المالي من خلال توفير الوصول إلى خدمات الدفع الرقمية للأفراد الذين لا يتعاملون مع البنوك أو يعانون للوصول الى الخدمات البنكية. كما ويمكن لليورو الرقمي أن يوفر خيار دفع آمن يمكن الوصول إليه لمجموعة واسعة من الأفراد، بما في ذلك أولئك الذين ليس لديهم حسابات بنكية تقليدية.
أما فيما يتعلق بتأثير اصدار يورو رقمي على السياسة النقدية والرقابة، فلا شك ان إدخال اليورو الرقمي سيوفر للبنوك المركزية أدوات إضافية لتنفيذ السياسة النقدية. ولكن هناك قلق من تحول الناس من الودائع البنكية للعملات الرقمية للبنوك المركزية، ما يعني خروج الأموال من دائرة النشاط الاقتصادي ولكن هذه مسألة إنتبهت لها البنوك المركزية وسيتم معالجتها بحيث يمكن تداول واستخدام عملاتها الرقمية كبقية أشكال السيولة المتوفرة في الاقتصاد ضمن آليات محكمة.
كما وسيسمح إصدار عملات رقمية للبنوك المركزية بمزيد من المراقبة المباشرة والتحكم في تداول الأموال، حيث يمكن تتبع المعاملات الرقمية وتحليلها بشكل أكثر فعالية. إلا أنه من جانب أخر، يثير إدخال اليورو الرقمي، كغيره من العملات الرقمية للبنوك المركزية، مخاوف بشأن الخصوصية والأمان. لذا يغدو من الضروري ضمان وجود تدابير قوية لحماية بيانات المستخدم والمعاملات المالية مع الحفاظ على الضمانات اللازمة ضد الأنشطة غير المشروعة.
وفيما يتعلق بالمراقبة والتحقق من تداول العملات الرقمية والمدفوعات، يمكن استخدام عدة آليات ومن أهمها تقنية البلوك تشين Blockchain أو تقنية دفتر الأستاذ والتي تعمل على تسهيل حفظ السجلات بطريقة شفافة ومقاومة للعبث في معاملات العملات الرقمية، حيث توفر تقنية Blockchain نظامًا لا مركزيًا يمكن مراقبته والتحقق منه من قبل العديد من المشاركين.
وهنا يصبح وضع لوائح واضحة ومتطلبات للامتثال لتداول العملات الرقمية والمدفوعات أمر بالغ الأهمية. حيث يمكن للهيئات التنظيمية الإشراف على عمليات مزودي خدمات العملات الرقمية، وفرض تدابير مكافحة غسيل الأموال، وضمان الالتزام بمعايير حماية المستهلك.
علاوة على ذلك، يمكن أن يساعد تطبيق إجراءات اعرف عميلكKYC ومكافحة غسل الأموال AML القوية في مراقبة معاملات العملة الرقمية والتحقق منها. فمن خلال التحقق من هويات المشاركين وتنفيذ أنظمة مراقبة المعاملات، يمكن الكشف عن الأنشطة المشبوهة ومنعها.
كما يمكن أن يخضع مقدمو خدمات العملات الرقمية لعمليات تدقيق منتظمة ومتطلبات إعداد التقارير لضمان الشفافية والامتثال. ويمكن لعمليات التدقيق المستقلة التحقق من دقة المعاملات وتقييم الالتزام بالمعايير التنظيمية.
وأخيراً، من المهم ملاحظة أن آليات المراقبة والتحقق المحددة لتداول العملات الرقمية والمدفوعات قد تختلف من دولة لاخرى اعتمادًا على تصميم وتنفيذ نظام العملة الرقمية، وكذلك الأطر التنظيمية التي وضعتها السلطات المختصة.