«فلاش باك» على حياة رجال فقدناهم
راكان المجالي
07-01-2011 03:08 AM
كنت اتمنى ان اكتب مقالا سياسيا منهجيا عن مسيرة المرحوم محمد باجس المجالي لكن ذلك لم يتحقق فاخترت الحديث عن الجوانب الشخصية الفريدة لانسان مشاكس متمرد ورافض وموهوب في التعبير عن خصائصه الثورية وكأنه كما كانوا يقولون منذ كان طفلا شق الارض وخرج منها.
وقد تفاجأت بحجم الاتصالات والرسائل التي تلقيتها حول ما كتبته عن اشخاص يعرفونه واكثرها من اشخاص لا يعرفونه من الداخل والخارج ومنها اتصال من السيد "ابو حسام" المغترب في فنزويلا الذي قال لي هل يوجد رجل بهذه المواصفات؟ وهنالك من كانت له ملاحظات على المقال ومنها ملاحظة احد محبي "ابو باجس" الذي قال لي: كأنك قصدت تمجيد باجس وليس ابو باجس ، فقلت له ان باجس هو الشخصية التي اسهمت في بناء الابن ، وكان ايمان باجس الديني عميقا ، وكان انتماؤه لعشائريته قويا ومؤثرا.
واعود للمرحوم "ابو باجس" لأكرر القول انه كان حزبا وجريدة ومظاهرة ومسرحا عريضا له اسلوبه الصارخ الممزوج احيانا بالخيال والصور الفنية الدرامية ، وقد نبهني احد شيوخ العائلة الذي عاش مرحلة طفولة وشباب "ابو باجس" ان والده لم يجمع في بيته اكثر من امرأة وانه اكتفى بزوجة واحدة كانت صالحة ومسالمة وخصت "ابو باجس" كيتيم بعناية ورعاية خاصة ، لكن هذا لا يمنع اي طفل يتيم ان تنطوي نفسه على حساسية خاصة تجاه المرأة التي اخذت امه ولذلك اقتضى التنويه.
عند الحديث عن الرجال المميزين ، اشعر بقصور لانني لم اكتب عن المرحوم الدكتور يعقوب معمر الذي توفي مؤخرا وقد عرفته عن قرب ، ومع انه لم يتحدث يوما عن مسيرته المهنية النضالية المميزة ولا عن ثباته على المواقف ولا عن ترفعه عن المناصب ولا عن حياته البسيطة رغم نجاحه الكبير كطبيب. وكان كما يقولون "عنده لله" ، فهو اختار ان يكون طبيبا في مستشفى الهلال الاحمر دون البحث عن مردود مادي وكذلك كانت صلته بالمستشفى الطلياني.
وحتى عندما يتحدث ، كان يتحدث بصوت هادىء منخفض لا يكاد يسمعه واكثر من ذلك لا ينفعل مهما يكن الموقف ، في الشأن الوطني ، كان متوقد الحماس وحكيما في آن واحد ، واذكر مواقفه داخل مجمع النقابات عند غزو اسرائيل لجنوب لبنان في العام 1978 واحتلالها للبنان حتى عاصمته في العام 1982 كان في مقدمة المتطوعين للذهاب الى لبنان او الى اية بقعة ارض عربية عندما كان يتعلق الامر في مسألة وطنية تطوعية ، كان رحمه الله متواضعا الى حد انكار الذات وكان نزيها في مواقفه واقواله الى حد الطهارة ، وفي رأيي المتواضع انه كان كنموذج ، ظل وسيبقى قدوة ونموذجا مؤثرا دون صخب او اعلان وظل مثالا شامخا في وجه اليأس من اصلاح احوال الناس وانانياتهم وجشعهم وانتهازيتهم ، لقد كان احد الاستثناءات التي كانت تشي بان الدنيا لا زالت بخير او كما يقول عامة الناس "ان خليت بليت".
قبل ثلاثة ايام فقدنا مناضلا فلسطينيا قوميا صلبا وقائدا مميزا وزاهدا كبيرا هو "ابو ذر الفلسطيني" كما كانوا يطلقون عليه ، انه المرحوم احمد اليماني الذي كان من قياديي الجبهة الشعبية والذي كان يرفض بعفوية صادقة وجوهرية اية امتيازات ، وعاش حياة بسيطة متواضعة ، كان يرضى بالكفاف وكان كلما لقيته ، لديه خوف من غوايات القيم الاستهلاكية حتى في ابسط الاشياء له ولعائلته ، كان قدوة ونموذجا للتجرد والنظافة ، واذكر موقفا مثيرا وهو اصراره داخل قيادة الجبهة الشعبية على اعدام احد الكوادر المتقدمة في قضية فساد وانتصرت وجهة نظره واعدم الشخص المذكور.
(الدستور)