لم أستطع منع تلك الدمعة الساخنة أن تسقط من عيني وأنا أستمع لتفاصيل تلك القصة المحزنة...فقد أنتفضت الأمومة في داخلي ...وصرخت الأنسانية في قلبي ...وثارت مشاعر الأستنكار والأستهجان في وجداني ..
قصة شاءت الصدفة أن أسمعها من صديقة ،سردتها بحرقة وبلهجة مليئة بالنقد وأسئلة ملحة ...أين الرقابة؟...أين المسوؤلين؟...أين هم أصحاب الضمائر الحية ...أين هم مما يحدث في دور حضانات الأطفال...تلك التي أخذت مسمى دار لتكون الأقرب الى البيت العائلي الذي يفترض أن يكون مصدر الحب والحنان والرعاية الحسنة لملائكة الأرض أحباب الله،وهم أغلى الكنوز التي وهبها العلي القدير للبشرية .... شاءت الظروف الحياتية ومن أجل تأمين حياة أفضل لهؤلاء الصغار أن تغيب عنهم أمهاتهم لساعات طويلة في العمل ...تبدأ عند شروق الشمس وقد تمتد الى مغيبها في بعض الحالات ...تأتي الوالدة صباحا تحمل فلذة كبدها بحنو وحذر في حضنها ،لتسلمه بكل حرص وعناية لأحضان من يفترض أن تساويها في درجة الحنان والرعاية ،تغادر الأم ووالكلمات تتردد في بالها .....لا تهكلي هم كأنك موجودة وزيادة....أنشالله بتشوفي كيف رح يكون مبسوط معنا ....وغيرها من عبارات التطمين التي تودعها بهن المربيات .....تعود في المساء لأخذ طفلها تسبقها اللهفة على رؤياه،تسأل مجموعة الأسئلة اليومية ...أنشالله أكل كويس؟...أنشالله ما بكى أكثير؟...لـتأتيها الأجابات المنمقة بأن كل شيء ممتاز.
هذا هو الوضع الطبيعي ولكن ما حدث في القصة المؤلمة التي دارت تفاصيلها في أحدى دور الحضانات في واحدة محافظات الشمال ...تقول القصة أن المربيات الآتي تجردن من معنى هذه الكلمة يقمن وبكل أسف بأخذ الطعام الذي يقمن أمهات الأطفال بأحضاره كوجبات خلال فترة غيابهن ,وبكل بساطة يقمن بأكلة أو رمية في سلة المهملات لكي لا يتحملن عناء أطعامه للأطفال ،متجردات من كل مشاعر الأنسانية لا يمنعهن بكاء وعويل الأطفال الجياع من أرتكاب جريمتهن النكراء تلك ،ولأخفاءها يقمن بأبقاء بعض البقايا من الطعام ويسكبنه على ملابس الأطفال حتى يبدو أنهم تناولوه ووسخوا ثيابهم أثناء الطعام .
جريمة كاملة العناصر لا تقل في خطورتها وبشعاتها عن جرائم أخرى ترتكب بحق الطفولة ، وهنا أرجوكم أعزائي لا تبدأوا بوصفي بالمبالغة أو تشككون بالقصة ،فقد كنت حريصة جدا على التـأكد من صحتها وخاصة أن التي روتها تحمل شهادة الصيدلة وعلى مستوى رفيع من الأخلاق والثقافة .
وسؤالي من أين أتت تلك التي أقدمت على هذا الفعل البشع بكل تلك القسوة لكي تستمتع بأكل الطفل الذي نهنه البكاء ونام من شدة الأعياء والجوع ...ذلك الطفل الذي لو تمكن من النطق لصرخ بوجها ..أعطني بقايا طبقي ...!!!أيتها الشريرة .
هذه القصةالتي توجب علي مسؤليتي الأنسانيةأن أسردها على مسامعكم ليست الا جزء من قصص كثيرة و تجاوزات ومخالفات تحدث داخل دور الحضانات ،وقد سمعنا سابقا عن حالات وصلت الى حد وفاة الطفل نتيجة الأهمال ...أسمحوا لي أن أدعوكم لمرافقتي لنطرق باب أصحاب المعالي والعطوفة الأعزاء ونطلب منهم بلغة الرجاء أن يتركوا كراسيهم الفاخرة ويتخلوا لساعات قليلة عن المكيفات و السكرتيرات الغاليات لينزلوا الى الميدان ويرصدوا بأعينهم ما وصلت إليه حال الحضانات .
وأتمنى منهم أن يتبنوا شعار لحملتهم في العام الجديد....عنوانه.من أجل حضانات آمنه لأطفالنا .