كان مليونيرا ولكنه لم يكن محبوبا من أحد فقد كان مقترا إلى حد الدهشة فلم يطعم فقيرا جائعا كسرة خبز.
يقول علماء الاجتماع ان المال الكثير يعز صاحبه ويرفعه بين قومه فيلتف حوله المنافقون وأصحاب الحاجات على حد سواء، إلا المرحوم أثبت عدم صحة هذه النظرية.
في اخريات أيام مرضه أوصى بالعزاء ليوم واحد فقط عند الدفن فقالوا لعله اتبع سنة المسلمين الأوائل غير أحد الفقراء الذي طال أنتظارة موت الرجل ليستطعم لحم المنسف نفى ذلك وفسر الأمر بصورة مغايرة.
كان ورثة المرحوم يبدون حزنا لمرضه ويلتفون حوله للإطمئنان على صحته - على ما أحسن الظن بهم - وكان الأصدقاء الذين تكاثروا فجأة يشاركونهم الحزن والدعاء ( الظاهر) له بالشفاء.
طال رقوده على فراش الموت اسابيع كثيرة وطال انتظار الورثة والاصدقاء لشفائه طبعا، غير أن العافية لم تسكن جسده النحيل ففاضت الروح إلى بارئها، فأبدى عشرات المقربين الحزن في النهار بينما كانت الأصابع تتحرك فوق ( الحاسبات) ليلا.
لم يلتزم الورثة بالوصية فافتتحوا سرادقا كبيرا للعزاء، رغم اعتراض أحدهم خوفا ألا يحضر أحد للعزاء، فكانت المفاجأة كثافة اعداد الحضور فلم يتغيب عن سرادق العزاء أحد من العشيرة والجوار وكثير من أبناء المدينة.
وفي زاوية من سرادق العزاء كان أحد الخبثاء الأذكياء ملازما مقعده لا يبارحه لثلاثة ايام ويجاوره ماكر مثله فمال عليه وهو يراقب تدفق المعزين هامسا في أذنه : أنظر ما أكثر المهنئين.
فأجابه الأول لقد تأخرت أفراح الورثة كثير فقد كان المرحوم فائضا عن الحاجة.
فرد عليه الماكر نعم وكان طوال حياته ( منتهى الصلاحية).
كان المرحوم مطلعا على المشهد من فوق متحسرا كأني به يقول رب ارجعني اعمل صالحا ترضاه.
طويت الصفحة وأبتدأ مشهد جديد يتصدره الورثة وغاب المورث تحت الثرى ولم يكلف احد نفسه ببناء قبر من حجر يشبه قلب المرحوم ولا تكلف احد عناء زيارة مرقده والترحم عليه،،، خسر الدنيا والأخرة.
وكفى بالموت واعظا يا ناس.