المؤتمر الدولي "الواعد" المرتقب!
د. حسن ابونعمة
21-07-2007 03:00 AM
من الطبيعي ان يرحب اي جانب عربي بمبادرة الرئيس الاميركي، جورج بوش، التي اطلقها الاسبوع الماضي لعقد مؤتمر لإحياء عملية السلام في الشرق الاوسط، بالرغم من وجود مؤشرات كثيرة على ان المبادرة لن تثمر شيئا، ولن تغير الواقع المتردي في المنطقة. لماذا؟لان دول الجامعة العربية اعادت اطلاق مبادرة السلام العربية في القمة الاخيرة ربيع هذا العام، ولان العرب ملتزمون باستراتيجية خيار السلام، ولان أكثرية الدول العربية، وخاصة تلك التي تربطها علاقات صداقة وثيقة مع الولايات المتحدة، تناشد هذه الاخيرة باستمرار بذل جهود اضافية لتحريك عملية السلام، ولانه ليس لدى الجانب العربي اي سبب يدفعه للتردد في الاستجابة السريعة لأي دعوة من شأنها ان تحرك المياه الراكدة في المنطقة، مهما كان حظ مثل هذه الدعوة من النجاح.
وثمة سبب آخر، وهو ان اي تلكؤ عربي سيرفع عن اسرائيل مسؤولية العرقلة؛ فالمعروف ان اسرائيل لا ترحب بأي دعوة حقيقية للعمل من اجل تسوية النزاع، اما عبارات الترحيب اللفظي التي صدرت عن مسؤولين لديها، فما هي الا للتمويه وللتغطية على مواقف اسرائيل الحقيقية. وقد نجحت اسرائيل، على الدوام، في الاستجابة الشكلية لنداءات كهذه، لكنها نجحت في النتيجة، ايضا، في الخروج منها من دون اي التزام، ومن دون السماح لأي جهد مماثل بإحراز اي تقدم نحو السلام والتسوية؛ فلديها مخزون من الحجج المعطلة، مثل "الارهاب" الفلسطيني، وعدم توفر الشريك، وعدم ملاءمة الظروف، وغير ذلك؛ وان لبّي شيء من شروطها، فلديها القدرة دوما على المجيء بشروط جديدة، ومطالب مستحيلة اضافية.
نعلم تماما ان اسرائيل رفضت مبادرة السلام العربية، وعندما"رحبت" بها لغايات الدعاية، اشترطت التفاوض على اهم بنودها. وبما ان المبادرة العربية هي الحد الادنى الذي لا يستطيع العرب النزول عنه، فالتفاوض لتخفيضها لم يكن ممكنا.
والمشكلة الاساسية هي ان العرب يكشفون اوراقهم مسبقا، ويذهبون الى اي مفاوضات بمواقف في حدها الادنى، او للحلول الوسط التوفيقية التي تشترطها اي مفاوضات؛ في المقابل، لم نعلم مرة واحدة ان اسرائيل كشفت اوراقها مسبقا، او اعلنت عن نواياها؛ حتى المسائل التي تكون لديها قناعة بتنازل عنها تفاوض عليها حتى الانهاك، وتحصل مقابلها على افضل النتائج والاثمان.
ولان اسرائيل تعرف حقيقة السقف المتدني جدا للموقف العربي، فهي لا تأبه بالمواقف المعلنة "تعرف البير وغطاه". لذلك، لم تعر المبادرة العربية اي اهتمام، وليس بمقدور العرب ان يفعلوا اكثر من استجداء العطف الدولي.
في ظل ظروف كهذه، لم يكن من المعقول الا ان يرحب العرب بالمبادرة الاميركية من دون ابداء اي تحفظ عليها؛ وفي ظل الظروف ذاتها، لم يكن من المعقول ان يكون الموقف الاسرائيلي من هذه المبادرة مختلفا: ترحيب لفظي واطمئنان فعلي الى ان المبادرة والمؤتمر الدولي الذي سينبثق عنها، في الخريف القادم، لن يغيرا من الواقع شيئا، ولن يجبرا اسرائيل على تغيير موقفها.
ولا حاجة للذهاب الى ما هو ابعد مما رددته الصحافة الاسرائيلية بعد اطلاق مبادرة الرئيس بوش، للتدليل على استمرار الاستخفاف الاسرائيلي بالسلام والتسوية، وبأي مبادرة من اجل ذلك، أيّاً كان مصدرها.
فقد كتب "ألوف بن" في هآرتس، الاربعاء الماضي، عن ترحيب المسؤولين الاسرائيليين بدعوة بوش للمؤتمر الدولي، لكنه نقل ايضا عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله ان هذا ليس الوقت المناسب لبحث المسائل الاساسية، اي قضايا المرحلة النهائية؛ اذن ماذا سيبحث المؤتمر الدولي؟ والى متى سننتظر وتنتظر المنطقة المنكوبة حتى يأتي الوقت المناسب؟ ومن الذي سيقرر؟ الا يكفي الانتظار الذي استمر منذ انطلاق عملية السلام العام 1991؟
سيبحث المؤتمر الدولي، كما تقول الناطق الرسمي الاسرائيلية ميري آيسن وغيرها من الاسرائيليين، "الافق السياسي" لعملية السلام. لكن ماذا هو الافق السياسي؟ تلك من اختصاص المنجمين! المهم ان المؤتمر المرتقب لن يبحث في قضايا اللاجئين والحدود والقدس. ومن قبل، رفض رئيس الوزراء اولمرت ان يبحث مع عباس او مع كونداليزا رايس في قضايا المرحلة النهائية.
اسرائيل، باختصار، مستعدة لأي لقاء، ولحضور اي مؤتمر، بشرط ان يبتعد عن كل المسائل الجوهرية؛ اسرائيل مستعدة لبحث مسائل امنية تتعلق بتفكيك "الارهاب" الفلسطيني، ونزع سلاح الفلسطينيين، وتكريس الحصار على غزة، وفرض الشروط التي لا نهاية لها على السلطة الفلسطينية، وتطبيع العلاقات مع اي عدد من الدول العربية؛ كما أنها مستعدة لبحث كل ما يحقق لها الامن حتى تستمر في تهويد الارض، وفي خلق وقائع المرحلة النهائية عليها... اسرائيل مستعدة لخلق الوضع النهائي من جانبها وبحسب رغبتها، ولا تريد ان تشرك أحدا في ذلك. المرحلة النهائية بالنسبة لاسرائيل معروفة وواضحة، ولا تحتاج إلى مؤتمرات لبحثها، ولذلك فإن اسرائيل مستعدة ان تستغرق وتستطرد في اي تفاوض باستثناء ما يتعلق بالوضع النهائي، كونه مرسوما ومعرفا ومحددا وقيد التنفيذ، وكل ما هو مطلوب لإتمام ذلك هو الوقت.
اذن ما الذي تريده واشنطن من المؤتمر؟ وهل يعقل ان يقدم الرئيس بوش على هذه الخطوة الكبيرة، وأن يضع مصداقيته على المحك، لو لم يكن متأكدا من نجاح مبادرته، ولو لم يكن قد جس نبض الاطراف، وحصل على ضمانات النجاح؟
ما يريده الرئيس بوش، وما تريده واشنطن، شرحه شموئيل روزنر في مقال آخر في هآرتس، الإثنين الماضي، جاء فيه: ان الرئيس الاميركي سينشغل خلال العام ونصف العام المتبقية من حكمه في ابطال محاولات نسف سياسته في العراق، بينما سينشغل مؤيدوه في ايجاد خليفة له يبقي البيت الابيض تحت سيطرة الجمهوريين. وخلال هذه الفترة، يضيف روزنر، سيسمح بوش لكونداليزا رايس "ان تسلي نفسها (Amuse herself) بمحاولات عقيمة لإيجاد طريقة للخروج من النزاع العربي-الاسرائيلي، ولكن ليس اكثر من ذلك".
اذن، الغاية، كما يدعي روزنر على الاقل، والوقائع السابقة تؤيد ذلك، هي إضاعة الوقت، وخلق الوهم، وإلهاء الناس بحركة خالية، وبوعود فارغة من كل محتوى ومن كل صدق، واستغلال مآسي الناس ومصائرهم للابتزاز السياسي والانتهازية الانانية.
وخلال هذا المسلسل المحزن من المبادرات الوهمية، وخرائط الطريق، وحلم الدولتين؛ تتقلص القضية الفلسطينية الى دعم الرئيس عباس، وتقوية حرس الرئاسة ليحول دون ازدياد خطر حماس، وإلى الافراج عن بعض قليل من المعتقلين، كما الافراج عن اموال وتخصيص مزيد منها لأجل الإلهاء! وخلال ذلك نبتعد كثيرا عن الحديث عن الاحتلال والارض، والحقوق والمصير، وتترسخ المأساة والظلم والمعاناة.
اما كيف يبرر الرئيس بوش نهاية الملهاة عندما ترفع الستارة عن مسرح فارغ، فيقول رونز انها مسألة بسيطة: سيقول انه فعل اكثر من غيره. ففي عهده تحقق اكثر مما تحقق في عهد اي رئيس آخر؛ في عهده اسرائيل أخلت مستوطنات، وفي عهده طرح حل الدولتين.
اين العقل والمنطق في كل هذا؟ لا علاقة. فالمنطق يقول ان المنطقة بمجملها، واسرائيل في مقدمتها بحاجة إلى عمل جاد نحو تسوية نزاع تاريخي مدمر، يهدد -اذا استمر- كل دول وشعوب المنطقة، ويحرمها من الامن والامان والاستقرار. والمنطق يفرض علينا جميعا ان نغتنم كل فرصة وأن نسعى إلى انجاحها؛ فالتسوية العملية المعقولة ممكنة، والسلام ليس ببعيد لو توفرت الارادة والشجاعة، لكن المشكلة ان المنطق غائب، واسرائيل تعتمد سياسات مدمرة لها ولمن حولها.
ليس ببعيد الموعد المحدد للمؤتمر "الواعد" المرتقب، لينعقد وينفض ويبقى كل شيء بعد ذلك مكانه، ثم يبدأ التحضير لفصل جديد من مسلسل الهزل والعبث، ويستمر الدعاء لإحياء عملية السلام.
الكاتب سفير الأردن السابق لدى الأمم المتحدة