الطبيعة المزدوجة للأحزاب: الصمت في المساهمة، والحماس في التصويت
د. محمد عبدالله اليخري
29-06-2023 03:13 PM
في عالم السياسة، توجد ظاهرة غريبة لا تزال تحير وتحبط المواطنين في جميع أنحاء العالم، إنه السلوك الغامض للأحزاب السياسية التي غالبا ما تظل صامتة عندما يتعلق الأمر بالمساهمة بنشاط مع الأشخاص الذين تخدمهم، ويكونون أقرب إليهم خلال فترات الانتخابات. وتثير هذه الازدواجية تساؤلات مهمة حول الدوافع الحقيقية لهذه الأحزاب والتزامها بخدمة المصلحة العامة.
لا يمكن للمرء أن ينكر أن الأحزاب السياسية تتمتع بسلطة وتأثير كبيرين على صنع السياسات، ومع ذلك فإن صمتها بشأن القضايا الحرجة خارج الحملات الانتخابية أمر مثير للقلق ومخيب للآمال على سبيل المثال اين المبادرات الإنسانية التي تقدمها الأحزاب خلال فترة العيد، لماذا لا نسمع لهم صوت؟، فبدلا من الانخراط بنشاط مع المجتمعات المحلية، وتعزيز الرفاه العام، ومعالجة مخاوف المواطنين، يبدو أن العديد من الأطراف راضية عن البقاء بمعزل وعدم الاستجابة. ويعزز هذا السلوك شعورا متزايدا بالانفصال بين السياسيين والأشخاص الذين انتخبوا لتمثيلهم.
ويمكن إرجاع الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة إلى "النهج الاستراتيجي" الذي اعتمدته الأحزاب السياسية، غالبا ما تكون الأحزاب مدفوعة بالسعي إلى السلطة والحفاظ على الذات، وقد تختار البقاء بعيدا عن الأنظار خلال فترات غير انتخابية لتجنب اتخاذ مواقف مثيرة للجدل يمكن أن تنفر الناخبين المحتملين من خلال التزام الصمت، تتجنب الأطراف تقديم التزامات أو وعود يمكن أن تكون ضدهم في المستقبل، يعطي هذا النهج الأولوية للمكاسب قصيرة الأجل على حساب الرفاهية العامة طويلة الأجل.
وعلى النقيض من ذلك، مع اقتراب الدورات الانتخابية، يشرع السياسيون والأحزاب السياسية في السعي المكثف للحصول على الدعم الشعبي، وفجأة يصبحون في كل مكان، ويحاولون ضرب وتر حساس لدى الناخبين، ويعدون بحلول سريعة للمشاكل التي طال أمدها، ويتعهدون بمعالجة القضايا ذاتها التي تجاهلوها في السابق. هذه الزيادة المفاجئة في التواصل مع الناخبين تخلق وهما بالاستجابة وشعورا زائفا بالتواصل، مما يلقي بظلاله على ذكريات الجمهور فيما يتعلق بالصمت السابق للحزب.
وتثير هذه الظاهرة تساؤلات حول الطبيعة الحقيقية للديمقراطية ودور الأحزاب السياسية داخلها. الديمقراطية مبنية على مبادئ التمثيل والمساءلة، ومع ذلك، عندما تلتزم الأحزاب الصمت بشأن المسائل المهمة بين الانتخابات، فإن ذلك يؤدي إلى تآكل المبادئ الأساسية للحكم الديمقراطي. يستحق المواطنون المشاركة المستمرة، والحوار الصادق، والالتزام الحقيقي بمخاوفهم ورفاههم، بغض النظر عن الدورات الانتخابية.
ولمعالجة هذه الظاهرة المقلقة، يجب أن نطالب أحزابنا السياسية بقدر أكبر من الشفافية والمساءلة والاتساق. يجب على المواطنين تشجيع السياسيين على الحفاظ على وجود نشط طوال فترة ولايتهم، والمشاركة في حوارات ومناقشات منتظمة لضمان الاستماع إلى مخاوفهم. وعلاوة على ذلك، ينبغي تشجيع الأحزاب السياسية على وضع برامج سياسية شاملة ومتماسكة تتجاوز الحملات الانتخابية، وتوفر رؤية واضحة لمستقبل البلد.
إن ظاهرة التزام الأحزاب السياسية الصمت بشأن المسائل الحاسمة أثناء انخراطها بحماس مع الجمهور أثناء الانتخابات تمثل واقعا محبطا داخل المجتمعات الديمقراطية، ومن خلال إعطاء الأولوية للمكاسب قصيرة الأجل على حساب المساهمات طويلة الأجل في المجتمع، تخاطر الأحزاب بتقويض جوهر الديمقراطية.
ولبناء نظام سياسي أكثر خضوعا للمساءلة واستجابة، يجب على المواطنين أن يطالبوا الأحزاب السياسية بالاتساق والمشاركة، مع تذكيرهم بأن المقياس الحقيقي لنجاحهم يكمن في التزامهم برفاهية الشعب الذي يمثلونه.