جلالة الملك والمجلس الأعلى للأمن الغذائي
السفير الدكتور موفق العجلوني
29-06-2023 11:19 AM
دعا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله يوم الاثنين إلى تكثيف الجهود والتعاون بين " الأطراف المعنية" لتنفيذ الأهداف الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي ٢٠٢١-٢٠٣٠.
وحث جلالته خلال لقائه "المعنيين" في تنفيذ الاستراتيجية على الإسراع في إقرار النظام الخاص بالمجلس الأعلى للأمن الغذائي لأهمية دوره في تطبيق الاستراتيجية، التي تأتي في إطار رؤية التحديث الاقتصادي. ونوه جلالته إلى ضرورة أن تكون مسؤوليات ومهام كل جهة في المجلس الأعلى مدروسة وواضحة، على أن تكون مؤشرات الأداء واضحة لضمان المتابعة وضرورة أن يكون الأردن مركزاً إقليمياً للأمن الغذائي.
إذا عدنا الى مفهوم الأمن الغذائي، حسب ما جاء في تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) - والذي تشرفت بتمثيل الأردن فيها خلال عملي في السفارة في روما خلال الأعوام ٢٠٠٠- ٢٠٠٥ حيث كنت اشغل نائب المندوب الدائم لدى كل من منظمة الأغذية والزراعة الفاو، والصندوق الدولي لتنمية الزراعية (ايفاد)، وبرنامج الغذاء العالمي - هو "توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة".
أما المفهوم التقليدي للأمن الغذائي الذي يرتبط بتحقيق الاكتفاء الذاتي باعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الغذائية محليا . وهذا الاختلاف يجعل مفهوم الأمن الغذائي حسب تعريف الفاو آثر انسجاماً مع التحولات الاقتصادية الحاضرة، وما رافقها من تحرير للتجارة الدولية في السلع الغذائية.
ولكن من هم "المعنيين" في حديث جلالة الملك، بحيث تكون مسؤوليات ومهام كل جهة في المجلس الأعلى مدروسة وواضحة، على أن تكون مؤشرات الأداء واضحة لضمان المتابعة. وضرورة أن يكون الأردن مركزاً إقليمياً للأمن الغذائي. والجواب على هذا السؤال، نجد ان الدولة بكافة أجهزتها هي المعنية بالأمن الغذائي وخاصة الجهات المسؤولة التالية برئاسة دولة رئيس الوزراء، وهم:
• رئيس الوزراء رئيسا.
• وزير الزراعة نائباً للرئيس.
الأعضاء:
• وزير التخطيط والتعاون الدولي.
• وزير الصناعة والتجارة والتموين.
• وزير الصحة .
• مدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء.
• وزير التنمية الاجتماعية
• وزير المياه والري.
• وزير البيئة .
• وزير التربية والتعليم .
• وزير المالية.
• رئيس هيئة الأركان المشتركة.
• نائب رئيس المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات.
• رئيس غرفة تجارة الأردن ا.
• رئيس غرفة صناعة الأردن
• رئيس الاتحاد العام للمزارعين.
• أمين عام المجلس
هنا أكد جلالة الملك ان تكون مسؤوليات ومهام كل جهة في المجلس الأعلى للأمن الغذائي مدروسة وواضحة، على أن تكون مؤشرات الأداء واضحة لضمان المتابعة، وضرورة أن يكون الأردن مركزاً إقليمياً للأمن الغذائي.
السؤال المطروح والموجه مباشرة لأعضاء المجلس الأعلى للأمن الغذائي: هل المسؤوليات والمهام لكل عضو في المجلس واضحة، وهل هنالك متابعة للمسؤوليات؟، أتمنى ان تخرج علينا الجهات "المعنية" الـ ١٧ الأعضاء في المجلس لتبين لنا مسؤولياتها ومهامها، وهل قامت فعلاً بتنفيذ مسؤولياتها ومتابعة مهامها حسب توجيهات جلالة الملك، وما هي إنجازاتها على مستوى الوطن؟.
وكما هو مفهوم ضمنياً وكما أشار دولة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، ان دور المجلس هو ضمان توفر الغذاء على المستويين الوطني والأسري والاستخدام الأمثل له، وتعزيز استقراره وإمكانية الحصول عليه، وتعزيز حوكمة الأمن الغذائي.
ولكن المفاجئة حقيقة ان نظام المجلس والذي كان من المفروض ان يقر العام الماضي لا زال لم يقر، وان الحكومة سوف تقر النظام الخاص بالمجلس لتفعيله في أسرع وقت، والذي سيعمل على إقرار ومراجعة السياسات والخطط الاستراتيجية والتشريعات والموازنات، ومواءمة عمل المؤسسات العاملة في مجال الأمن الغذائي.
هل من المعقول اننا في الأردن لا يوجد مجلس أعلى للأمن الغذائي ، في الوقت الذي احتضن الأردن العديد من المؤتمرات الدولية المتعلقة بالأمن الغذائي، وكان لي الشرف بالمشاركة في بعض هذه المؤتمرات، و يذكرني في هذا السياق دولة الدكتور عدنان بدران حيث أشار في أحد مؤتمرات الامن الغذائي المنعقد في الجامعة الأردنية، عن دور "الحاكورة الأردنية " في الامن الغذائي، حيث كانت العامل الرئيس في الامن الغذائي للعائلة الأردنية، ولكن بكل اسف اختفت الحاكورة بسبب الزحف العمراني، وضاعت الملكيات الزراعية وتفتت، واصبحنا بعد ان كنا مصدرين للحبــوب (القمح والعدس والشعير ) اصبحنا مستوردين لهذه الحبوب .
فعندما نتحدث عن الامن الغذائي في الأردن لا بد ان نعود لحديث جلالة الملك وان تتحمل كل من الجهات " المعنية " الـ ١٧، مسؤولياتها وان تكون هنالك متابعة، بحيث يكون في الأردن اكتفاء ذاتي وتختفي جيوب الفقر والفاقة والبطالة على الساحة الأردنية، والتي حباها الله سبحانه وتعالي في الكثير من النعم، ولو كان لدينا إدارة زراعية ناجحة على مر السنيين وحافظنا على الأراضي الزراعية، لكان لنا في الأردن الاكتفاء الذاتي في الامن الغذائي، لا بل كنا المصدرين للدول العربية الشقيقة والدول الصديقة.
الكرة الآن في ملعب أعضاء المجلس الأعلى للأمن الغذائي الأردني، وانا لناظريه قريب، فإما ان الأردن سيتمتع بالأمن الغذائي ويقضي على جيوب الفقر والعوز والبطالة، واما لا قدر الله ننتظر شفقة صندوق النقد الدولي حتى ترتفع المديونية ويزداد العجز في الموازنة العامة.
رسالة جلالة الملك حفظه الله واضحة ومباشرة: على الجهات المسؤولة الـ ١٧، شد الاحزمة والانطلاقة الفورية لتحقيق الرؤيا الملكية في الامن الغذائي على ارض الواقع، وان يتحقق فيها الحصول المادي والاقتصادي على الغذاء الكافي والآمن والمغذي لكل الناس وفي كل الأوقات بشكل يلبي احتياجاتهم الغذائية، كما يناسب أذواقهم الغذائية المختلفة بما يدعم حياة نشطة وصحية. بحيث يصبح الأردن مركزاً إقليمياً للأمن الغذائي.
واختم حديثي بتذكير بمشاركة جلالة الملك في تشرين الأول من العام الماضي في حوار "بورلوغ" الدولي، الذي نظمته مؤسسة جائزة الغذاء العالمية، لمناقشة آليات تطوير قطاع الزراعة والتصنيع الغذائي. حيث أكد جلالته: إن مفهوم الأمن الغذائي والحياة الكريمة التي يمكن أن يوفرها، راسخ في تاريخنا في منطقة الشرق الأوسط، فقبل حوالي عشرة آلاف سنة، شهد إقليمنا انطلاق أول ثورة زراعية، حين بدأ الإنسان بزراعة المحاصيل والتجارة بها. وتلك الشعوب آنذاك، في منطقتنا وغيرها، كانت تسعى لتطوير الأساليب التقليدية، وساهمت بابتكاراتها في تمكين البشرية من التطلع إلى المستقبل، واليوم، علينا أن نعمل بنفس الجرأة، وأن ننظر إلى مستقبلنا بعيون جديدة.
علينا أن نتذكر أن الملايين من البشر يقضون هذا اليوم بلا طعام، فهو بالنسبة لهم يوم آخر من الجوع. فلنسأل أنفسنا، لماذا يعاني قرابة ٦٩٠ مليون شخص من نقص الغذاء في القرن الحادي والعشرين؟، لماذا يموت في وقتنا هذا حوالي ٩ مليون شخص من سوء التغذية كل عام؟، لذا، علينا مواصلة بذل الجهود لمعالجة شح الغذاء.
إن التعاون أساس العمل الإقليمي والعالمي، ولطالما وقف الأردنيون إلى جانب الشعوب في المنطقة وقدموا الدعم لهم؛ إذ أن موقعنا الاستراتيجي، في نقطة تلاقي إفريقيا وآسيا وأوروبا، يمكّن الأردن من تسهيل وتنسيق العمل الدولي، بالإضافة إلى إمكانية عمله كمركز إقليمي للغذاء، وهذا من شأنه أن يسارع ويعزز الاستجابة العالمية للأزمات الغذائية والكوارث.
وأضاف جلالته، أن الاستجابة للمخاطر العالمية تتطلب إعادة ضبط عالمنا ونُظمه. ولبناء الأمن الغذائي على مستوىً عالمي، لا بد من أُطر عمل تنظيمية متينة، تشمل توفير الأدوات المالية المطلوبة، وتبادل الخبرات العالمية في تقنيات الزراعة، وزيادة الاستثمار في البحث العلمي، فعلينا أن نمضي قدماً والآن؛ لأن التنسيق ضروري لمنع نشوب أزمة نقص غذاء وسوء تغذية عالمية قد تطرأ إن لم نكن مستعدين لمواجهة أوبئة وتحديات جديدة في المرحلة القادمة. قبل الحصاد، يكون العمل، من تخطيط وزراعة وري وعناية، وتكيف مع المتغيرات، وتطوير طرق جديدة للمساهمة في ازدهار الحياة. ونحن، في هذا العصر، مسؤولون عن حماية الحقول والمزارع والمحاصيل، كما علينا غرس بذور جديدة، ليتسنى للأجيال المقبلة أن تحيا وتزدهر.
نعم على المعنيين في المجلس الأعلى للأمن الغذائي الـ ١٧ العمل بنفس الجرأة، وأن ينظروا إلى مستقبل الاردن بعيون جديدة.
السفير الدكتور موفق العجلوني
المدير العام مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me