أثناء لقاء في ديوان التشريع الخميس الماضي، لإطلاق موقع تفاعلي خاص بالتشريعات، أشار رئيس الوزراء الى مواصفات وشروط رئيس البلدية في اول قانون للبلديات صدر في تاريخ الدولة الاردنية العام 1925، باعتبارها شروطا متقدمة عما هو في القانون الجديد الذي صدر هذا العام. ومن خلال الموقع الإلكتروني لديوان التشريع، رجعت الى قانون البلديات العام 1925 الذي تضمن وصفاً دقيقاً لأعمال البلدية. لكنني توقفت عند شروط رئيس البلدية، كما وردت في المادة الثامنة من قانون 1925، وهي على النحو التالي:
1- ممن يحسنون القراءة والكتابة بالعربية وله الوقوف على الحساب والامور الفنية والعمرانية.
2- ممن لهم إلمام كاف بالإدارة والإصلاح العمراني.
هذان الشرطان، بالإضافة الى شروط اخرى، كانت في العام 1925، رغم ان الامارة آنذاك لم تكن تضم جامعات ولا معاهد، ولا كثافة تعليم مدرسي؛ كما لم نكن في عصر الهندسة وتكنولوجيا المعلومات، ولم تكن مطالب وأعمال البلديات آنذاك معقدة وكثيرة كما هي الآن.
وشروط قانون 1925 كانت تعني الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب والامور الفنية والعمرانية، اي ما يشبه علم الهندسة. كما تنص على الالمام الكافي بالإدارة في وقت لم يكن لدينا كليات الادارة، ولا حملة الماجستير والدكتوراه. وايضاً الاصلاح العمراني، اي ما يشبه تخطيط المدن وبناءها وتنظيمها.
اما قانون البلديات لعام 2007، فقد وضع شرطاً لا معنى له، وهو "ان يحسن القراءة والكتابة". وهذا الأمر قام به مجلس الامة بشقيه، وهو شرط ينطبق فقط على موظفي الفئة الرابعة، وليس على مسؤولي بلديات يقال انها مؤسسات تنموية.
العبرة في العقلية التشريعية؛ فعقلية المشرع العام 1925 متقدمة على عقلية المشرع العام 2007؛ والفهم لمواصفات وأدوار رئيس البلدية العام 1925 كان متقدما جداً، ويتناسب مع ما نقوله الآن عن دور البلديات. اما الشروط التي يضعها التشريع في العام 2007، فلا تصلح حتى للبلديات في عهد الفاطميين.
وإذا عدنا الى ديوان التشريع وموقعه الالكتروني، فإن ما تم اطلاقه يوم الخميس موقع يتيح للمواطن ان يقدم رأيه ووجهة نظره في مسودات مشاريع القوانين والانظمة التي يدرسها ديوان التشريع قبل ارسالها الى مجلس الوزراء، وهي خطوة تعطي للمهتمين، وللقطاعات المعنية بأي نظام او قانون، فرصة تقديم وجهة نظرهم. وكما قال رئيس ديوان التشريع، فإن الديوان سيحترم كل الآراء، وقد يستدعي اصحاب بعضها للاستفادة والنقاش، ووعد ان لا يتم قذفها الى سلة القمامة.
والملاحظة التي وعد الديوان بأخذها بعين الاعتبار هي الاعلان عن كل تشريع يبدأ الديوان بمناقشته، وان تعطى فرصة 10 ايام للمواطنين والمهتمين والجهات المعنية لإبداء آرائهم، ولإعطاء دفعة حيوية للحوار حول التشريعات، وهذا يفتح ابواب للناس للمشاركة، وربما يسد بعض الثغرات في التشريعات المختلفة.
وإذا خرجنا من ديوان التشريع، فإن احترام القانون والدستور من سمات الدولة القوية؛ فالدستور والقانون ركن اساس في شرعية المؤسسات، والمسؤول القوي هو الذي يحترم الدستور والقانون، والمجتمع الذي يثق بسيادة القانون واستقلال القضاء يأمن من الظلم والتجاوزات، والسياسي الذي لا يتحرك وفق الدستور ويعتمد "الفهلوة" او اختراع الاجراءات والمؤسسات لتحقيق ما يريد، معتقداً ان الدستور مقيد للحركة ومعيق للتطوير، مثل هذا من السياسيين والمسؤولين ليسوا رجال دولة، ولا عنواناً للاستقرار، وأهم آثار افعالهم اضعاف شرعية المؤسسات والمسؤول.
ما بين قوانين البلديات، وديوان التشريع، واحترام الدستور، رابط قوي، هو العقل التشريعي والجهاز القضائي للدولة. والعقل التشريعي والقضاء سلسلة تبدأ من وضع مسودة التشريع، وحتى الحكم فيه بالعدل والقوة، وهذه هي خميرة الدول والمجتمعات.
sameeh.almaitah@alghad.jo