عيد الأضحى تعميق لرمزية التضحية والفداء
فيصل تايه
27-06-2023 11:40 PM
ونحن نستقبل مع النسمات الأولى من صباح هذا اليوم ، حلول عيد الأضحى المبارك ، بالتكبير والتهليل والفرحة ، مبتهجين بانقضاء فريضة من فرائض الدين الحنيف ، مرحبين بيوم الفداء والمودة والصلة والعتق من قيود النفس الشحيحة ، وفرحة الحجاج في أداء المناسك والتضحية والتحلل من الإحرام ، في مشهد لم ترَ أهيب منه العيون ، وموطن لم تخشع في مثله القلوب ، وما أروعهم وهم يغسلون ذنوبهم بشعائر الحج الاعظم فيعودون باذن الله كيوم ولدتهم أمهاتهم.
فسبحان مَن علَّق الأرواح بتلك الديار الجدباء القاحلة ، حيث لا ظلّ فيها ولا نضارة ولا ماء ، وإنما تحمل في محيطها الشعور والمشاعر التي لا يُنسيها الزمان ، ولا تمحوها الأيام ، قد جعل الله -سبحانه- في هذا المنسك من العبر والعبرات ، والذكرى والعظات ما يزيد الإيمان ، ويغرس التقوى ، فمرحبا بسعادة الغني بالبذل والعطاء وفرحة المسلمين بتحقيق الأمنيات..
عيد الأضحى المبارك يختزل في حروفه ومعانيه ومراميه معنى الفداء وكل ما يعني التضحية ، حيث ينبغي الوقوف وقفة تأمل وتفكر وتبصر في تجليات ذلك المشهد الروحاني باستحضار كل تلك المعاني العظيمة ، انه العيد المشروع للخروج من دائرة الهموم قدر الإمكان ، واستشعار عظمة الحدث الإنسانيّ الدينيّ المتمثّل في الحج وفرحة المسلمين في الالتفاف حول مناسبةٍ جليلة وفرحةٍ كبيرة تتجاوز بها النفوس ولو مجازاً أهوالها الجِسام ، لينطلق من مناسبة حيوية مهمة ، حيث نعيش الفرح الكبير فيه ، ويحاول أن يمدّ هذا الفرح من خلال ما يمدّ به المناسبة في الذكرى تارةً ، وفي الممارسة تارة أخرى .
عيد الأضحى هو عيد الأضاحي الذي فيه رمزية الفداء للإنسان الذي كرمه الله عند افتداء الله بذبح عظيم لنبيّه إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، ليصبح الذبح شعيرة من شعائر الدين تأكيدًا لقداسة هذا الإنسان وحرمة إراقة دمه ، ولا عبرة في إراقة دم الحيوان إلا التزام المسلمين بمبدأ السلام وصون كرامة الإنسان في هذه الحياة القائمة على سنة التنوع والاختلاف والتدافع في الأرض ، وإحياء مبدأ التكافل بين الناس حين يتذكر الغني جاره أو أخاه الفقير ، فأنت بالأضحية تتقي الله بسلوك منهجه القويم في السلام والمحبة ، وتعميق وشائج الألفة والتراحم والتسامح والسمو فوق كل الصغائر وكل مغريات الدنيا الزائلة.
يأتي عيد الأضحى المبارك هذا العام ، لعله يجدد محبتنا لأنفسنا ، التي ذابت في ملفات الهموم ، وضاعت في تزاحم المسؤوليات ، وحياة تزداد تعقيداً ، وكل تلك الإفرازات السلبية التي تحاصرنا طوال العام ، عيد مبارك على المسلمين عامة ، وعلى كل من يريد أن يستشعر العيد بعيداً عن إحساس التأنيب المستمر ، والجلد الذاتي الذي يمارسه البعض على أنفسهم ، لنسعد بالعيد على الدوام عندما تنتهي الأحقاد ، وتذوب الفوارق بيننا ، ويظهر فيه الإيثار، ويتعاظم فيه السباق على التلاقي ، وتمتد الأيادي لبعضها البعض ، من أجل صلة الأرحام وإنهاء القطيعة ومنع الأذية ، وتتداول فيه الهدية ، لتصفى النفوس ، وتغسل الادران ، وتلتقي القلوب الرحيمة والأفئدة الرقيقة ، لتبدأ مع إشراقة صباح العيد صفحة جديدة من الألق والرخاء والصفح الجميل ، وليكون هذا العيد بمثابة مراجعة للنفوس وتصفيتها مما علق بها من أوجاع ، وكنس غبار ما مضى للوصول إلى محطةٍ فاضلة ، ولننتصر كلنا للإنسانية المفعمة بالنبل والترفّع عن الأحقاد المقيتة.
وأخيراً سنبقى ندَعو في هذه المناسبة الجليلة إلى مزيد من التآخي والمحبة فهي الفرحة التي تقتحم قلوبنا ، وسنظل نحتفي بها وندعو الله في كل عيد أن تأتي الأعياد القادمة وقد تحققت كل امانينا ، وخروجاً لامتنا العربية من براثن الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعيد لهذه الامة أمرهما ولمّ شملها ، وسنظل نردد دعوة خليل الله – ابراهيم عليه السلام - رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وارزق اهله من الثمرات - وان يديم علينا هذا الوطن دار امن وامان وواحة رخاء واستقرار ، سائلين المولى ان لا يغير حالنا الا الى حال خير منه ، وان يديم علينا قيادتنا الهاشمية ، وان يحفظ مليك البلاد لما يحب ويرضى ، إنه على كل شيء قدير .
اللهم تقبَّل مِنَّا واقبلنا، واجعلنا من المقبولين، اللهمَّ ارزُقنا الإخلاصَ في القول والعمل، ولا تجعَل الدنيا أكبَر همِّنا، ولا مَبلَغ علمنا، وصلَّى الله على محمد وعلى أهله وصحبِه وسلَّم، والحمدُ لله ربِّ العالمين ودمتم والوطن والأمة سالمين ..وكل عام وقلوبكم تحمل فرحا لا ينتهي ..