معضلة العقلية الإدارية .. الكل يُدير ولا أحد يُدار
د. محمد عبدالله اليخري
27-06-2023 05:21 PM
في المشهد الديناميكي لأماكن العمل في الأردن، هناك معضلة محيرة الا وهي الرغبة الشديدة بين الموظفين في تولي دور المدير "معضلة أنا مدير" وتأكيد تفوقهم على رؤسائهم وحتى على زملائهم. وقد أصبحت هذه الحالة منتشرة بطريقة مخيفة، إلى جانب الاعتقاد بأنهم يمتلكون ذكاء متفوقا ويمتلكون حلا أفضل للتحديات التنظيمية والإدارية والمالية والابداعية وتصل أحيانا الى وصف المدير بأوصاف تصل الى حد قتل الشخصية او الذم مثل "مديري غبي وبفهمش اشي" وجمل مثل "الله حط المصاري بإدين الهبل" وغيرها من الألفاظ غير اللائقة لا أعترض انه فعلا هناك مدراء قد نكون اخطأنا في حق الحمار لوصفنا لهم به، ولكن لا يتوجب التعميم.
هذا العقل وهذه المعضلة حتما تؤدي إلى مشاكل كبيرة في أخلاقيات العمل والإنتاجية. في هذه المقال هدفي هو كشف القناع عن هذه الظاهرة من خلال علم النفس والأنثروبولوجيا وطرح نظرة ثاقبة للأسباب الكامنة والحلول المحتملة.
أولا، لنتعرف على متلازمة المحتال او ما تعرف بالإنجليزية بـ (The Imposter Syndrome) اذ تغذي متلازمة المحتال، وهي ظاهرة نفسية، الاعتقاد بين الموظفين بأن مدرائهم ليس ليس لديهم الكفاءة وانهم غير كافيين وأنهم يمتلكون مهارات فائقة تفوق مهاراتهم. في سعيهم للحصول على الاعتراف، فإنهم يقوضون باستمرار مديريهم، ويدخلون أنفسهم في مجالات خارج نطاق اختصاصهم. تنشأ متلازمة المحتال من انعدام الأمن العميق والحاجة إلى التحقق من كفاءة المرء. مثل هذا السلوك يعيق التعاون ويقوض الثقة ويخلق بيئة عمل سامة.
ثانيا، في علم الاجتماع الكثير هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي ركزت على المخاوف من الخلط بين "الهيمنة والتسلسل الهرمي"، اذ تسلط النظريات الأنثروبولوجية الضوء على الجذور الثقافية لهذه المعضلة. ففي منطقتنا العربية وفي الأردن على وجه الخصوص يحترم المجتمع الأردني تاريخيا القيادة القوية والحازمة وهيكل السلطة الهرمي ويتفاخرون بها. ولهذا السبب يتنافس الموظفون على مناصب السلطة لكسب الاحترام والنفوذ، وينظرون إلى مديريهم على أنهم عقبات تقف في طريقهم. غالبا ما تلقي هذه الرغبة في الهيمنة بظلالها على أهمية العمل كفريق والتركيز على من راح "يلمع" أكثر ومين اللي يؤمر وينهي عوضا عن التكافل والتكامل في العمل، مما يؤدي إلى انهيار التواصل ونقص التآزر.
يلعب تأثير دانينج كروجر (The Dunning-Kruger effect)، وهو تحيز معرفي، دورا مهما في إدامة هذه المعضلة. الموظفون، مدفوعين بالثقة المفرطة والفهم المحدود لمسؤوليات مديريهم، يقللون من شأن التعقيدات والتحديات الكامنة في الأدوار الإدارية. فيصيبهم وهم التفوق الذي يعميهم عن أوجه القصور الخاصة بهم ويمنعهم من إدراك قيمة التجربة والخبرة التي يمتلكها رؤساؤهم. هذا التحيز يقوض التماسك التنظيمي ويخنق الابتكار.
وأخيرا، ولكي نتغلب على هذه الحالات النفسية والعقل المجتمعي المتمركز على فكرة "أنا مدير" يتوجب تعزيز ثقافة الاحترام والتعاون. ويجب على المؤسسات بجميع اشكالها الحكومية والخاصة، الربحية وغير الربحية، حتى المشاريع العائلية، التركيز على تنمية ثقافة الاحترام والتعاون والوعي الذاتي. يمكن أن يساعد تشجيع الحوار المفتوح والتعليقات والشفافية في سد الفجوة بين المدراء والموظفين. ويمكن للمدراء أيضا توفير فرص لتطوير المهارات والإرشاد، وتمكين الموظفين من النمو والتقدم داخل المنظمة. إن التأكيد على أهمية العمل الجماعي والاعتراف بنقاط القوة المتنوعة التي يجلبها كل فرد إلى الطاولة يمكن أن يعزز بيئة يشعر فيها الجميع بالتقدير.
ففي الخلاصة، المعضلة الإدارية في الأردن هي قضية متعددة الأوجه لها عواقب بعيدة المدى على أخلاقيات العمل والإنتاجية. يتيح لنا الجمع بين الأفكار من علم النفس والأنثروبولوجيا فهم الأسباب الكامنة والحلول المحتملة لهذه المشكلة. من خلال معالجة متلازمة المحتال، وإعادة تقييم المعايير الهرمية، ورعاية ثقافة الاحترام والتعاون، ويمكن للمؤسسات في الأردن بجميع اشكالها وانواعها، تعزيز بيئة عمل أكثر انسجاما وإنتاجية. من المهم جدا أن ندرك أن الإدارة الفعالة تتطلب مزيجا من الخبرة والتجربة ومهارات التعامل مع الآخرين، وأن تعزيز ثقافة العمل الجماعي يمكن أن يطلق العنان للإمكانات الحقيقية لأي منظمة.