العنف المجتمعي خطر والحل .. في استعادة الطبقة الوسطى!
شحاده أبو بقر
06-01-2011 12:26 PM
العنف المؤسف والمؤلم الذي ينشرونه حالياً وفي مواقع وظروف شتى، هو أكبر بكثير من أن تناقشه لجنة عابرة أو أن تتم بشأنه حملة آنية، فنحن بصدد حالة جديدة على حياتنا وعلى تاريخنا أقل ما يقال فيها إنها تنذر بعواقب وخيمة ان لم نكلف النفوس عناء اكتشاف الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الحال والعمل بمجهود وطني شامل صادق ورجولي ومعبر لتجاوزها وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.
أجزم أن انحسار الطبقة الوسطى إن لم يكن غيابها الواضح هو السبب الرئيس لما آل إليه حال بلدنا، فالطبقة الاجتماعية الوسطى هي عماد «أية دولة» أو هي قاعدة الأمان والأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع «أي مجتمع»، وهي بمقاييس تاريخ البشرية تشكل عددياً السواد الأكبر من السكان في أي بلد، وكلما حافظت «الطبقة الوسطى» على وجودها وحضورها بصورة اجتماعية اقتصادية سياسية ساطعة في المجتمع، كلما سطح نجم ذلك المجتمع داخلياً وخارجياً وكان قادراً على اجتيار كل التحديات والتطورات مهما اشتدت، وهذا هو حال الأردن كدولة منذ نشوئه، فقد كان الفقراء طبقة محدودة الاطار والانتشار، مثلما كان الأغنياء والأثرياء طبقة محدودة الاطار والانتشار كذلك، وفي المقابل كانت الطبقة الوسطى هي الأعم والأشمل وحافظت على نسبة حضور عددي تتجاوز 75%، أي ثلاثة أرباع المجتمع، ولذلك عشنا بسلامة برغم قلة الموارد وشح الامكانات وصعوبة الظروف والتحديات.
اليوم لا يحتاج الباحث إلى كثير عناء كي يلمس مدى تراجع أو انحسار أو حتى غياب الطبقة الوسطى، فنحن نتحدث عن سياسات وأولويات اقتصادية بددت وجود الطبقة الوسطى في مجتمعنا ودفعت بالسواد الأعظم منها نحو الطبقة الفقيرة أو الأفقر في المجتمع، مثلما دفعت في المقابل بقلة قليلة نحو الطبقة الغنية أو طبقة الأثرياء، وهنا بدأت المشكلة تتشكّل، وحدث الفراغ، الذي أوجد «حالة مجتمعية نفسية» جديدة عنوانها وطابعها..!! النزق والتعصب واليأس والاحباط، وهذه أمراض تفجر الصخر وتفتك بالنفوس، إن جاز التعبير، فلقد اضعفت الانتماء الوطني في نفوس العامة إلى أدنى مستوياته، ولقد أذهبت وقزمت كل القيم الجميلة والجليلة في حياتنا، والهبت مقابل ذلك مشاعر العِداء مع الآخر وحتى مع الذات داخل المجتمع الواحد، وافرزت مفاهيم اجتماعية طارئة جديدة قوامها التعصب الأعمى والكفر السياسي بالبلد، والإيمان المطلق بالذات أولاً، قبل كل شيء، وغرست روح المحاصصة ورفض الآخر وعززت منهجية الاقصاء، والاحلال بين أبناء الوطن الواحد.
ذلك حال مائل يمكن أن نتحدث عنه وفيه حتى الصباح، لكنه حال لا يدعونا وحسب، وإنما يستفز فينا رجولة الوجود الإنساني كبشر لأن نعمل معاً وعلى امتداد الدولة من أجل الخروج من هذا الحال، وهو خروج ممكن ومتاح وآمن بإذن الله، من خلال إعادة النظر بكثير من سياساته الاقتصادية وإعادة النظر هذه لا بد وأن تدرك الحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية والاجتماعية بما يوفر حاجات الإنسان الأساسية في مجالات الماء والصحة والتعليم والغذاء تحديداً.
باختصار نحن بحاجة ماسة للجلوس وإعادة النظر بسياسات اقتصادية اجتماعية أعادت تصنيف المجتمع بصورة لا تنسجم مع أحوالنا الراهنة، فقد أدخلنا مفاهيم حياتية اقتصادية جديدة دون أن نعزز ثقافة مجتمعية جديدة تخدم تلك المفاهيم، ولذلك ها نحن ندفع الثمن من استقرار وأمن وهدوء حياتنا.
(الرأي)