حبوا أولادكم واحترموا ذواتهم
سارة طالب السهيل
26-06-2023 10:36 AM
ابنائكم غرس العمر إما أن ينمو ويروى بالحب، أو ان تفقدوه وتحولوه دون قصد الى شخصية مدمرة لنفسها والمجتمع اذا اسقطوا عليهم آلامكم واضطراباتكم الداخلية ومشاكلكم اليومية .
وبحسن نية يقع الاباء في فخاخ التركيز على الخطط التربوية الصارمة وبالنظم التعليمية الحديثة المكلفة جدا، دون الاهتمام بالجانب الاهم في التنشئة وهو تنمية مشاعر الصغار وتغذيتها بالحب، فغالبية الأسر لا يعرفون كيف يعلمون ابنائهم بأنهم محبوبيين لديهم، وأن وصحتهم النفسية أهم من تحصيلهم الدراسي، حتى وإن أخطأوا فإننا لا نكره ذواتهم وانما نكره سلوكهم الخاطئ .
آلاف الاطفال قد شبوا في محيط أسري مشحون بالغضب والفظاظة والعنف والقسوة التي لا يجد لها الطفل مبررا حتى يشعر مع الوقت انه شخص غير مرغوب فيه، وتتأكد هذه المشاعر عندما يترجم الابوان سلوكهما معه الى رفض لمعظم رغباته ويضيقان على فرص التسامح عند خطئه ويؤنبانه ويعاقبانه لأتفه الأسباب، مما يبعث بداخله مشاعر الخوف وانعدام الامن والسلام الداخلي.
قد يحرص الاباء على اشباع حاجات الطفل من طعام وشراب لكنهما يغفلان عن حاجته الاساسية للحب والعطف والحنان واحترامه وعدم تحقيره وتعزيز ثقته بنفسه، بينما يخطئ الآباء كثيرا عندما يربطون حبهم للطفل بما يحققه من نجاح فاذا فشل الطفل يشعر بتناقص حبهما له .
فالطفل الذي يشعر بنقص الحب والحنان يفتقر الى احترام ذاته ويفشل عندما يكبر في اقامة علاقات اجتماعية سوية، بل انه قد ينجذب الى العلاقات المنحرفة والمؤذية، ويعجز عن اعطاء الحب لغيره لشعوره الداخلي بعدم الأمان وسيطرة مشاعر الشك فيمن حوله .
وهناك عوامل عديدة تسرب الى داخل الطفل انه غير مرغوب فيه ومنها ظروف الطفل الذي يضطر للعيش مع زوجة والده بعد انفصاله عن أمه، فهو يشعر بالعداء والكره تجاه زوجة والده .
وقد تتحمل الأم المطلقة مسئولية تربية اطفالها والانفاق عليهم فتعيش صراع داخلي بأنها تكبدت مسئولية فوق طاقتها وتؤدي دور الاب والام معا وانها عاجزة عن الوفاء بذلك، فتحبط كثيرا وتصب احباطاتها وانفعالاتها في صغارها لا شعوريا منها، فتقوم بتوبيخهم وضربهم بقسوة، واحيانا تحميلهم مسئولية اخفاقها في حياتها الخاصة دون ذنب منهم، فيشعر الصغار بعدم الامان .
وكثيرا ما يهرب الصغار الى الشوارع هربا من جحيم البيت وقسوته، وتمتلئ مؤسسات رعاية الطفولة بالمئات من الاطفال الأحداث الذين ألقي عليهم القبض بتهمة التشرد نتيجة القسوة التي يعاملون بها داخل أسرهم .
قد يلجأ الطفل إلى التخريب ومعاكسة والديه والتمرد على سلطتهما رغبة منه في معاقبتهما على عدم حبهما له أو قد يسقط هذا العقاب على ذاته على شكل سلوك مازوخي يقوده الى إيلام والديه مثل اهمال دروسه، وتعمد الفشل لادراكه بأن فشله سيغضب والديه ويؤلمهما، وهذا الشعور يعطيه صورة سلبية عن ذاته وقد يدفعه الى الانحراف .
كما قد يلجأ الطفل إلى الصمت، كرد فعل على ما يعانيه من إحباط وتجاهل وانعدام الشعور بالأمن والحب، خاصة اذا كان يعيش في بيئة قمعية، فالعدوانية او الصمت كلاهما انعكاس لفقدان الطفل للحب والعطف والحنان.
سلاحي الحب والاحترام لعلاج شعور الطفل بانه منبوذ او غير مرضي عنه، فعلى الوالدين الاسراع باظهار مشاعر احترام شخصية الطفل ويعاملانه بحب وعطف في جميع الحالات عندما يفشل وعندما ينجح و عندما يخطئ فحب الاهل غير مشروط، وهذا لا يعني ابدا عدم توجيهه وتعليمه وارشاده ونصحه وحتى تأديبه ولكن كل هذا بحب.
والمشكلة بنظر المعالجين النفسيين ليست في كيفية تربية اطفالنا؟، ولكنها تكمن في كيفية التعامل مع من نحبهم، فلا ينبغي التعامل مع ابنائنا على انهم أشخاص تابعين لأحد، بل انهم أشخاص مستقلين لهم حياتهم الخاصة الواجب احترامها طالما هذه الحياة طيبة و مستقيمة غير مؤذية له ولغيره من افراد المجتمع او افراد الاسرة .
فعلى الوالدين احترام شخصية الطفل ودعم سلوكياته الاخلاقية وقدراته واظهار مكانته داخل الاسرة، وعدم مؤاخذته على خطأ ارتكبه أو لإخفاقه في تحقيق نتيجة إيجابية حتى لا يشعر الطفل باحتقار ذاته، بل يجب أن نشعره بأن البشر كلهم معرضون للصواب والخطأ، وان التراجع عن الخطأ سهل وبعده يمكن تحقيق النجاح .
وبتقديري، ان تكريس طاعة الوالدين واحترامها في تربية الطفل دونما تخويف او تهديد، وانما تحصيل حاصل لاحترامهما وحبهما له ، فيكفي ان تشارك طفلك لحظة غضبه وتظهر له حبك فيرتاح نفسيا وتقل نوبة الغضب والاستياء .
كذلك مدح الطفل على أي سلوك جيد يجعل هذا السلوك متكرراً مستقبلاً، ومنحه المكافآت المادية من حلوى والعاب واصطحابه برحلة ترفيهية، فتأديب الطفل يجب ان ينطلق من قاعدة الحب الراسخة وجعل القدوة الحسنة للطفل بالافعال وليس الاقوال فمهما كررت الكلام امامه فالافعال أوقع واكثر تأثيرا .
كما اود ان أنوه ان الطفل في اشهره الاولى وسنواته الاولى لا يتوقع الا كامل الحب والحنان من والديه والإسراف في رعايته و الاهتمام به وتدليله تماما كما تفعل القطه الأم مع صغارها .
لا انكر ان التربية تبدأ من اليوم الاول في عمر الطفل وربما في بطن أمه ولكن ان لم يتغذى و يكتفي بكامل الحب و العطف في هذه المرحلة سينمو طفلا غير سويا على الإطلاق.
فبهذه المرحلة مازال الطفل يأخذ كل شي ولا يستطيع العطاء فلكل مرحلة طريقتها فإن كبر قليلا نعطيه الحب كاملا وننتظر منه تحمل بعض المسؤولية والواجب حسب عمره وتحمله.
ولا شك ان إغداق مشاعر الحب على الطفل خصوصاً في مرحلة الصبا ينمّي قدراته العقلية التخيلية لاستيعاب العالم من حوله وفهمه وادراك المفاهيم المعنية التي تمكنه من اقامة علاقات اجتماعية سوية بسهولة.
أخيرا ، فان أملنا في تربية أبنائنا تربية سوية تبقى مرهونة برعاية مشاعر الطفل وبنائها وتنميتها وتعويده على ترجمتها الى سلوكيات إيجابية تفيده وتفيد مجتمعه .
وهذا يتحقق عندما نحمي الطفل من الاذى والعنف وسوء المعاملة، أو الشعور بالذل والخضوع ، وغمر الطفل بمشاعر الحب والاحترام والتقدير والفخر به، واشعاره بالامان عند اخفاقه في عمل او تعرضه لمشكلة .