حين نستعرض مسيرة بلدنا، على مدى العقود الماضية، يتردد داخلنا سؤال مهم، وهو، كم من الفرص ضيعنا ؟ أقصد إدارات الدولة والمجتمع معا، وكم من الوقت اهدرنا، وكم من المبادرات اطلقنا، ولكن بلا نتيجة؟ الإجابات تبدو متباينة، البعض يعتقد أن الظروف التي مر بها بلدنا كانت هي السبب، آخرون يرون أن السكة التي نسير عليها مصممة تماما لما نحن فيه، ما يعني أننا نتحرك وسط اضطرارات إلى خيارات، ثمة من يعتقد، أيضا، أن اتساع فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع أربكت الطرفين، وأفقدتهما القدرة على استثمار الكثير من الفرص.
سواء أكانت هذه الأسباب دقيقة أم لا، فإن النتيجة التي يتوافق عليها اغلبية الأردنيين هي «تضييع الفرص»، جردة الحسابات طويلة، خذ، مثلا، المجال السياسي، ستجد أننا منذ ثلاثة عقود اهدرنا تحولين ديمقراطيين ( 1989، 2011 )، وميثاقا وطنيا، ومبادرات عديدة لترتيب البيت الداخلي، وسبعة أوراق نقاشية مهمة، خذ، أيضا، المجال الاقتصادي، ستجد عشرات المشروعات التي فشلت او أُفشلت بضربات مباشرة من سوء التخطيط، أو تمدد الفساد، خذ، ثالثا، المجالات الدينية والثقافية والاجتماعية، ستكتشف أن قائمة الفرص المهدورة لا تُحصى ولا تُعد.
بوسع الأردنيين، أو من تبقى منهم، قيد الثقة والهمة والأمل، أن يصارحوا أنفسهم، كيف حدث ذلك، ومن يتحمل مسؤوليته، وما السبيل لاستعادة ما ضيعنا، ثم مباشرة بنائه أو ترميمه إذا لزم الامر؟ الإجابة تحتاج إلى مسألتين : إرادة سياسية واضحة وحازمة، تبدأ بتشخيص العلة، وتنتهي بصرف الأدوية والمعالجات، الثانية يقظة الكتلة التاريخية التي تمثل المجتمع للتوافق على خارطة طريق، تبدأ بإشهار الانحياز الدولة ونظامها السياسي، وتصل إلى طرح «القضية الأردنية « كأجندة عمل باتجاه هدف واحد، أو فرصة واحدة، يتم اختيارها، باعتبارها الدرجة الأولى، في سُلّم الخروج من الأزمة، واجتراح الحل.
لدينا، الآن، أرضية يمكن الاستناد إليها، مشروعات التحديث الثلاثة، السياسية والإدارية والاقتصادية، هذه فرصة مطروحة، أعرف أنها لم تحظ، حتى الآن، بما يناسبها من قبول لدى بعض الأردنيين، أعرف، أيضا، أنها تعرضت لجراحات واستفهامات، وتحتاج إلى تقييم بعد عامين على انطلاقها، أعرف، ثالثا، أن إنجازها يحتاج إلى 10 سنوات او اكثر، مع ذلك لابد أن نتجاوز كل هذه الالتباسات باتجاه توافق حقيقي، تشارك فيه إدارات الدولة ونخب المجتمع، ويفرز بالتالي إرادة مشتركة للاستثمار بهذه الفرصة، وتقديم ما يلزم من ضمانات لانجاحها.
أشعر، وربما غيري كثيرون، بالحزن والأسى حين استدعي العشرات من الفرص التي ضيعناها على بلدنا، وأكاد اجزم أننا خسرنا، بلا أي سبب مقنع، الكثير مما كان يمكن أن يساعدنا في بناء الدولة ونهضتها، نحن نمتلك من الموارد البشرية والطبيعية، اكثر مما تمتلكه دول كانت في آخر قوائم النمو والتقدم، لكنها أنجزت وسجلت تحولات سياسية واقتصادية بفضل وجود إرادة شعبية وسياسية، فاصبحت من أهم الدول تقدما في العالم.
ما زال الطريق أمامنا مفتوحا لاستدراك ما فات، المهم أن نبدأ، وأن نغادر كواليس اليأس والشك، والعجز والخوف، ثم نثق ببعضنا، ونرفع الوصايات والفزّاعات التي افقدتنا القدرة على العمل والإبداع، صحيح المهمة صعبة، وتحتاج إلى تغيير وقائع كثيرة أصبحت واقعا قائما، يجد من يدافع عنه، وربما من يستميت لبقائه واستمراره، لكن الصحيح، أيضا، أن الإيمان بالبلد ومستقبله، وتحمل أمانة مسؤولية أجيالنا القادمة، يفرض علينا جميعا أن نتحرك، ونتغير، لنبني البلد، ونحميه من كل الشرور.
(الدستور)