خلال المواجهة الراهنة بين قيادات السلطة وحماس ظهرت مفردات في الخطاب الاعلامي لم تكن تستخدم في السابق, فلقد اصبحت الشتائم المتبادلة جزءا من هذا الخطاب. ان كلمات مثل (مجرمون, قتلة, خونة, جواسيس, عملاء) لم تعد تقتصر على مقال صحافي او تعليق اعلامي, ولكنها اصبحت لغة السياسيين و(المناضلين).قد يرى البعض ان استخدام هذه المفردات خروج على المألوف وعودة الى (سلفية اعلامية) من تراث صوت العرب في الخمسينيات, كما يرى آخرون انها تعبير عن ردود فعل غاضبة تعكس العجز, وغياب القدرة في الدفاع عن مواقف يصعب تسويقها امام الرأي العام الفلسطيني والعربي.
غير ان الظاهرة لا تقتصر على الفلسطينيين, هناك صحف عربية محترمة وكتاب مشهورون بدأوا استخدام مفردات (الشتائم), وظهرت كلمات مثل (واطي, منحط وسافل.. الخ). عند وصف بعض السياسيين والاعلاميين في العالم العربي وفي اوروبا وامريكا, على وقع ما يحدث من جرائم في العراق وفلسطين. ومن يتابع مقالات جهاد الخازن في صحيفة الحياة يمكن ان يرى نموذجا, خاصة عندما يكتب عن احمد الجلبي, وجماعة المحافظين الجدد في واشنطن, وقادة اسرائيل وتعليقاته على ما يكتبه بعض المنحدرين من اصل عربي في الصحافة الامريكية, الذين عرفوا بعدائهم لامتهم وقضاياها.
الصحافة الاردنية تخلو من الامثلة في استخدام هذه المفردات الجديدة, في الخطاب السياسي والاعلامي, بسبب تقاليد المحافظة التي تغلب عليها, مع ذلك لا يعني ان هذه الظاهرة خاطئة. وانا من المعجبين باسلوب جهاد الخازن, وهناك من السياسيين والاعلاميين, عرب واجانب, ارتكبوا من الموبقات والخطايا والجرائم, بايديهم واقلامهم والسنتهم, ما يستحقون كل مفردات الاحتقار والدونية والانحطاط, فمن جاء بقوات الاحتلال لتدمير بلده العراق هو اكثر من واط ومنحط, ومن السخف ان يناقش مثل هؤلاء تحت باب الاجتهاد والرأي الآخر او ان يوصف بانه مجتهد او مفكر او معارض.
استخدام الشتائم له جذور عميقة في التراث البشري, انه موجود في كتابات شكسبير, والخطاب الديني, وتراث الماركسية اللينينية بشكل خاص, وفي العالم العربي, واجه هذا الخطاب نقدا واسعا بعد هزيمة حزيران واصبح ممجوجا في ظل مناخ ما بعد كامب ديفيد الاولى باسم العقلانية والواقعية. لكن الانحدار الذي وصلت اليه الاوضاع في العراق وفلسطين ولبنان, يولد من المشاعر الغاضبة ما يجعل الكلمة والرأي والموقف جزءا من حالة الخروج على المألوف.
لقد قيل (بأن الظالم فاجر) وازاء كل ما يجري من ظلم صارخ وانتهاك لحرمة العقل ولكرامة الانسان العربي, تارة باسم العقلانية واخرى تحت لواء الطائفية والمذهبية, وثالثة بدعوات الرضوخ للاجنبي, انما يفرض على الخطاب الاعلامي والسياسي ان يخرج عن طوره ويتخطى كل ما هو معروف ومتداول.