لا شك أن عمان هي الاغلى في نفوسنا, لكن تقرير الايكونومست يشير الى ان اسعار السلع والخدمات في الاردن هي الاغلى في المنطقة مقارنة مع معدل دخل المواطن الذي لا يتجاوز الـ 1900 دولار سنويا.
التغييرات التي شهدتها عمان في السنوات الثلاث الماضية كانت غير تقليدية على الاطلاق, فنزوح ما يقارب المليون عراقي احدث تغييرا ديموغرافيا جوهريا ساهم بشكل كبير في زيادة الاسعار بسبب القوة الشرائية للشريحة الاجتماعية الاوسع منهم.
التطورات الاقتصادية المتقلبة في المنطقة افرزت تداعيات سلبية على السياسات الاقتصادية الحكومية التي انحصرت خياراتها في زيادة ايرادات الخزينة من جيوب المواطنين, فارتفاع اسعار النفط عالميا زاد من كلف الدعم المالي للمحروقات المترتب على الخزينة, مما جعل الحكومة ترفع اسعار المحروقات منذ عام 1996 وحتى 2007 اكثر من عشر مرات, ليتم بعد ذلك تحرير اسعار المحروقات وفق معادلة سعرية بدأت تثير تساؤلات بعض المراقبين حول دقتها, وهنا يدرك الجميع تأثير ذلك على باقي السلع والخدمات لا بل على مجمل الانتاج الصناعي الذي تستحوذ كلف الطاقة وحدها على ما نسبته 40 بالمئة من كلفه وهو الذي تأثر سلبا مما اسهم في تراجع تنافسية القطاع الصناعي في السوقين المحلية والدولية على حد سواء.
بعض السلوكيات التي يمارسها عدد من شركات القطاع الخاص لعبت هي الاخرى دورا بارزا في جعل عمان الاغلى في المنطقة مثل ما حدث في قطاع الاسمنت والحديد اللذين شهدت اسعارهما جنونا غير مسبوق بفضل عوامل داخلية وخارجية معا, اضافة الى السياسة الرسمية المتبعة تجاه العمالة التي رفعت كلفها بشكل كبير.
كلف التعليم في المملكة هي الاخرى نمت بطريقة غير متوازنة, فخلال السنوات الست الماضية ارتفعت اقساط الدراسة في الجامعات الرسمية بنسبة فاقت الـ 100 بالمئة, ناهيك عن ارتفاع اقساط التعليم المدرسي بمختلف انواعه.
القطاع الصحي - الذي كان من اكثر القطاعات التي تنامت اجورها- اثر بشكل سلبي على معيشة المواطنين, فاسعار الدواء خاصة المستورد ترتفع بين ليلة وضحاها دون رقيب او حسيب بسبب ما سمي بسياسة تحرير الاسواق, ناهيك عن ازدياد اجور العلاج في المستشفيات الحكومية والخاصة.
اما بالنسبة لاسعار المواد الغذائية والسلع والخدمات الرئيسية مثل النقل فاصابها ما اصاب غيرها من ارتفاع ارهق جيوب المواطنين خاصة من فئة الموظفين ذوي الدخل المحدود في الدولة الذين يتجاوز عددهم الـ 300 الف موظف علما ان معدل دخولهم يبلغ 300 دينار شهريا بحده الاقصى في حين ان خط الفقر المدقع يبلغ 560 دينارا للفرد سنويا.
السياحة التي تستحوذ على ما يقارب الـ 12 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي ارتفعت اسعار خدماتها مع ازدياد عدد المنشآت السياحية في عمان والبحر الميت والعقبة, فباتت اسعار الليلة الواحدة تعادل ثلاث ليال في شرم الشيخ, فبات المواطن الاردني غير قادر على ترفيه عائلته في اماكننا السياحية التي اصبحت حكرا على الطبقة الغنية والسواح الاجانب.
لعل المشكلة الاكبر التي يحاول راسم السياسة الاقتصادية عدم الخوض فيها هي الخلل الحاصل في هيكل النمو الاقتصادي الذي تتجه عائداته للشريحة الاقل والاكثر تأثيرا في القرار الاقتصادي, بمعنى اننا نعاني في الاردن من سوء توزيع للثروات بين فئات المجتمع.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)