«الذاكرة الوطنية الأردنية»
صالح القلاب
06-01-2011 02:20 AM
بعد كل هذا الاستهداف لتاريخنا ولمسيرة بلدنا والتشويه المقصود باسم «الثورية» لمواقف الأردن وقادته وشعبه وبخاصة تجاه قضية فلسطين وقضايا العرب القومية فإنه آن الأوان ليكون هناك مشروع لتدوين الذاكرة الوطنية لهذا البلد وأهله الذين هم الأكثر قومية والأكثر تضحية من أجل القضية الفلسطينية والدليل هو هذا المزيج العربي الذي واصل تبوء المواقع العليا والمحطات الرئيسية في الدولة.
لأن تاريخنا ظلم ظلماً كبيراً ولأن تاريخ مراحل التكوُّن الأولى منذ الحرب العالمية الأولى وحتى عقدين وأكثر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قد كتبتها إذاعات الأصوات المرتفعة والأنظمة التي بقيت تستهدف هذا البلد باسم فلسطين والوحدة العربية والثورة واليسار التي بصخب شعاراتها قد أساءت إلى مواقفنا وكونت إنطباعات «مفبركة» وكاذبة عن هذا البلد , المملكة الأردنية الهاشمية , وأهله وقادته فإنه علينا أن نوجد قراءة صحيحة لهذا لتاريخ ولهذه المواقف ولهذه التضحيات ونضعها بين أيدي أطفالنا وشبابنا وأبناء هذه الأمة الذين ما زالوا يستمدون ما يعتبرونه حقائق تاريخية من أكاذيب الإذاعات التي رمت « اليهود» في البحر ألف مرة وحققت الوحدة المنشودة من خلال «مايكروفونات» الصخب الثوري آلاف المرات.
إن المؤسف أنه بدل أن يكون هناك تدوين للذاكرة الوطنية ,منذ البدايات لتنشئة أجيال خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي والأجيال اللاحقة والأجيال الحالية , لوضع الأمور في أنصبتها ولمواجهة الأكاذيب بالحقائق فإن معظم الإنتاج الدرامي على غزارته الذي تم وضعه بين ايدي الأطفال والشبان الصاعدين والذي جرى تسويقه في الدولة العربية فأعطى انطباعاً خاطئاً عن قيم الشعب الأردني وعاداته وحقيقته الإجتماعية كان بعيداً عن الذاكرة الوطنية لهذا الشعب.
لا شك في أن هناك جهوداً خيرة قد بُذلت لكن لاشك أيضاً في أن بعض المسلسلات التي سميت «بدوية» قد ساهمت مساهمة كبيرة في تمجيد قيم الغزو والثأر والقبلية الجاهلية وهذا كله قد تسرب من خلال مسامات هؤلاء الذين يتذابحون الآن قبائلياً وعشائرياً في الجامعات عندما كانوا أطفالاً يتسمرون أمام شاشات « التلفزيونات» ليشاهدوا ترويجاً لقيم لم تكن في الحقيقة هي قيم الأردنيين ولا قيم عشائرهم ولا قبائلهم.
لا يوجد على الإطلاق عمل « دراميٌّ» حقيقي عن دور الأردن في فلسطين ولذلك فإن التزوير الذي أغرقت به إذاعات الصخب الثوري في سنوات الصخب الثوري تلك المرحلة لا يزال يشكل ذاكرة الأجيال العربية, والأخطر الأجيال الأردنية والفلسطينية, وهذا دفع التلفزيون الأردني بدعم رئاسة أركان الجيش العربي , القوات الأردنية المسلحة, إلى الشروع في إنتاج مسلسلٍ من المفترض أن يكون من ستين حلقة تحت عنوان «باب الواد» يتحدث عن العلاقات المبكرة بدءا بنهايات أربعينات القرن الماضي بين الأردن وفلسطين وبين الشعب الأردني والشعب الفلسطيني مع التركيز على دور الجيش العربي والمجاهدين الأردنيين الى جانب أشقائهم المجاهدين الفلسطينيين.
في هذا المسلسل الذي إتكأ على دعم رئاسة أركان «الجيش العربي» القوات المسلحة الأردنية جرى التركيز على الحقائق الموثقة ومن بين هذه الحقائق أن الجندي الأردني وأن المجاهد الأردني أيضاًعندما ذهب إلى حيفا والى القدس فإنه وجد أهلاً ووجد صدوراً وقلوباً مفتوحة وأن المقاتلين الأردنيين جنوداً ومجاهدين متطوعين قد قاتلوا بشرف ورجولة وكأنهم يقاتلون دفاعاً عن عمان أو معان أو إربد أو السلط أو العقبة.
إنها بداية وعلى مؤسساتنا الوطنية أن تكمل مشوار تدوين «الذاكرة الوطنية الأردنية « من خلال « الدراما» الهادئة والمؤثرة والبعيدة كل البعد عن اللغو الدعائي والترويج السطحي لقد تأخرنا كثيراً ولقد دفعنا الثمن غالياً نتيجة هذا التأخر الذي ترك فراغاً جرت تعبئته بالدجل الثوري وبالتزوير المقصود وبالاستهداف المبرمج لبلدنا ومواقفنا وتضحياتنا التي كانت ولا تزال في مقدمة التضحيات العربية وبخاصة تجاه قضية فلسطين.
(الرأي)