نهاية الأسبوع الماضي، زرت قصر رغدان، أول قصر ملكي شيد في عهد الدولة الأردنية الحديثة في جولة تراثية مع فريق من زملائي موظفي صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي.
كانت تجربة مختلفة، تضمنت زيارة حجرات القصر وقاعات الاستقبال فيه، ومتاحف العهدة الملكية، والأضرحة الملكية، وأجزاء أخرى من القصر ومعالمه.
ليس أمرا اعتياديا أن تتواجد في ذات الأماكن التي لا تشاهدها عادة إلا عبر الشاشات، كأن تدخل القاعة التي يستقبل فيها الملك الزعماء والضيوف الرسميين، وتقف في قاعة العرش التي تجري فيها مراسم أداء اليمين الدستوري عند تشكيل الحكومات، أو أن تشاهد عن قرب المقتنيات الشخصية لملوك الأردن الراحلين وبعض من ملابسهم التي ارتبطت صورها في ذاكرتنا الشعبية حيث كانوا يرتدونها في المناسبات الرسمية والعامة.
تفاصيل كثيرة في كل محطة، كان المرور بها يثير مشاعر مختلطة ما بين الدهشة والمتعة والشجن أحيانا.
لكن التفصيلة التي كان لها التأثير الأعمق في نفسي، كانت لحظة رؤيتي للسجادة التي صلى عليها الملك الحسين رحمه الله فور نزوله من الطائرة عند عودته إلى الوطن من رحلة العلاج في مستشفى مايو كلينك في يوم ماطرٍ شديد البرودة.
كان لتلك اللحظة وقع في قلبي يشبه ضربة مدفع في فراغ صامت!
تذكرت قساوة مشاعر القلق التي رافقت تلك الأيام، وضخامة وقع حادثة وفاة الملك الحسين بعدها بفترة وجيزة، والحزن الثقيل الذي خلفه ذلك الرحيل.
خلال لحظة واحدة استعدت مشاعر كثيفة لذكريات مرحلة من عمري مر عليها أكثر من عشرين عاما، كانت مليئة بمنعطفات مفصلية جعلتها واحدة من أكثر مراحل عمري تأثيرا في تشكيل وعيي ووجداني.
كنت في السابعة عشرة حينها، وكان قد مضى أقل من عام على عودتي مع عائلتي من بلاد الغربة، متأملة بإنهاء سنوات من الاغتراب النفسي والثقافي، ومحملة بزخم أحلامٍ أتوق لتحقيقها في فضاء آمنت دائما بأنه سيكون أكثر رحابة واتساعا في أرض الوطن.
كالوميض مرت ذكريات كثيرة لأيام كانت فيها الحياة ما تزال ألوانها تتعدى اللون الرمادي رغم ما شابها من ألم، ومثل وخزٍ في الصدر قفزت بعض تلك الأحلام من هوٍّ سحيق معاتبةً على تأجيلها مرات ومرات إلى أن اندثرت تحت ركام التعب والخوف والخيبات.
انتشلني صوت المرشد من شرودي معلنا انتهاء الوقت المحدد للتجول في جناح العهدة الملكية. أكملنا الفقرات حسب الجدول، ووصلنا إلى آخر محطات زيارتنا للقصر التراثي. شكرنا القائمين على تعريفنا بالمعالم وتاريخها، وتجمعنا لالتقاط صورة للذكرى.
غادرت المكان بهدوء كما دخلته، وظل العقل منشغلا بتداعي الذكريات، وفي القلب صوت يقول:انتهت الجولة ولم تنته الرحلة!