استمعت لحديث رئيس الوزراء في عدة مناسبات واخرها قبل أيام مع الشباب في الجامعة الاردنية ضمن سلسلة حوارات انطلقت بعنوان (رؤى التحديث: الشباب محور الاهتمام) وحتى يكون التقييم موضوعيا لما ورد على لسان الرئيس وبعيدا عن تأييد البعض وتشكيك آخرين بشكل يؤشر لمواقف مسبقة، فلا بد من مناقشة الوقائع والأرقام بحيادية.
بداية، هذه الحكومة تشكلت في نهاية عام 2020 وفي العام الأول من عمرها كانت البلاد تحت تأثير انتشار جائحة كورونا وتسجيل ارقام قياسية من الإصابات والقيود المفروضة على الاقتصاد، وانطلاقا من هذه التحدي ودخول المملكة المئوية الثانية كانت توجيهات جلالة الملك بإطلاق مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري حيث انطلقت اعمال لجنة التحديث السياسي برئاسة دولة السيد سمير الرفاعي وخرجت بمشاريع قوانين عصرية للأحزاب والانتخابات وتوصيات أخرى حيث تم إقرارها من الحكومة ومجلس الامة بشقيه لتأخذ حيز التنفيذ.
ومن بعد، فتح الديوان الملكي العامر ابوابه لانعقاد ورشات عمل شارك بها المئات من الخبراء في كل القطاعات بحضور لافت للقطاع الخاص ومؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والهيئات والمؤسسات الدولية لتخرج هذه الورشة "برؤيا التحديث الاقتصادي 2033" والتي وضعت مستهدفات ومحركات عديدة وتوصيات لكافة القطاعات عملت الحكومة لتحويلها الى برامج تنفيذية مع مؤشرات قابلة للقياس لكافة القطاعات مع التأكيد على فرضية ان هذه الرؤيا وكما ارادها جلالة الملك ستكون عابرة للحكومات.
وبالتوازي أنهت لجنة تطوير القطاع العام برئاسة دولة رئيس الوزراء اعمالها وتوصياتها التي تهدف الى تطوير الأداء كون القطاع العام هو حجر الرحى لتحقيق رؤية التحديث الاقتصادي وتسهيل مهام القطاع الخاص، إضافة الى اهمية دور القطاع العام في تقديم خدمات سريعة ومرضية للمواطن.
وعند التحدث بلغة المؤشرات الاقتصادية سنجد ان عديد الإنجازات تحققت في عهد هذه الحكومة فقد شهدت كافة القطاعات نموا مضطردا متعافية من جائحة كورونا كما هو الحال مع قطاعات السياحة والصناعة والتعدين والمال والقطاع الزراعي نسبيا متأثرا بوقف التصدير شمالا، كما شهدت ارقام التضخم ارتفاعا هو الأقل في المنطقة.
وساهمت السياسة النقدية للبنك المركزي في ضبط الايقاع وهو ما انعكس إيجابا على استقرار الاقتصاد في ظل الرفعات المتكررة لسعر الفائدة التي فرضها الفيدرالي الأميركي والتي من المؤمل ان تصل لنهايتها من الربع الأخير من العام الحالي، وتجدر الإشارة هنا الى ارتفاع الاحتياطي الأجنبي مع تثبيت المؤسسات الدولية للتصنيف الائتماني للمملكة وانعكاس ذلك إيجابا على كلف الاقتراض.
كما وتعكف الحكومة حاليا بالعمل على عدد من المشاريع الكبرى بمتابعة مباشرة من رئيس الوزراء ومنها سكة الحديد من العقبة الى الماضونة والتي ستوفر 30% من كلفة النقل بالشاحنات حيث تجري حاليا النقاشات مع المستثمر المهتم بهذا المشروع وكذلك تنتظر الحكومة تقديم العروض من المقاولين المتقدمين لمشروع الناقل الوطني للمياه الذي يستهدف تحلية وجر 300 مليون متر مكعب من المياه سنويا لتغطية زيادة الطلب على المياه في العاصمة عمان وباقي المحافظات، وكذلك يجري الان العمل على اعداد المخطط الشمولي التفصيلي والتصاميم الأولية للبنية التحتية للمدينة الجديدة شرق العاصمة عمان بالإضافة لعدد من المشاريع الهامة الأخرى التي ستجري بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويبقى القول إن المواطن وعلى اهمية كل ما انجز أعلاه لم يشعر بتحقيق الفارق بعد ما دام الاقتصاد لا يوفر فرصا للعمل تتناسب مع اعداد الخريجين الذين يلتحقون بسوق العمل سنويا وتحقيق الاختراق المنشود بخفض النسب الحالية للبطالة، وعليه فان الهدف برفع نسب النمو الاقتصادي للمستوى المستهدف في رؤيا التحديث الاقتصادي يبقى هو الهدف الفيصل من خلال الاستثمار ثم الاستثمار والذي سينعكس إيجابا على خلق الوظائف وخفض ارقام الفقر وذلك لن يتأتى بدون شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص وأتمتة الخدمات والتقليل ما امكن من تدخل العنصر البشري في الإجراءات وتجاوز الاجراءات البيروقراطية واستمرار العمل على تطوير العديد من التشريعات وتحسين الخدمات مع أهمية التركيز على رفع مستوى رضى العملاء، وكل ذلك يتطلب ان تشكل الحكومة لجان عمل وزارية قطاعية تعمل على مدار الساعة وتتابع الإنجاز وقياس المؤشرات وتبحث المعيقات والحلول وبالأخص تلك المتعلقة بتسهيل مهمة القطاع الخاص والمستثمرين بشكل فعال وقد يتطلب ذلك اجراء تغيير في الجهاز الحكومي ومواقع قيادية بأشخاص يؤمنون برؤيا التحديث الاقتصادي وأهدافها وضرورة إزالة أي معوقات لتحقيق مستهدفاتها التي ستشكل خارطة الطريق للاقتصاد الاردني لعشر سنوات قادمة.
وفي الختام، فإن متابعة جلالة الملك للإنجاز من خلال اللقاءات الدورية مع المعنيين لكل قطاع تؤشر على جدية الدولة في إنجاح هذا المسار الإصلاحي بمساراته الثلاث، السياسي والاقتصادي والإداري، ويبقى على عاتق الجميع العمل بمسؤولية تحتم التشاركية والقيام بما هو مطلوب من الكل وعلى كافة المستويات افقيا وعموديا لتحقيق الأهداف القطاعية والوطنية لنعبر بالبلاد بمستهل المئوية الثانية بخطى راسخة توفر للأجيال الحالية والقادمة الأرضية اللازمة لينعموا بنوعية حياة ورفاه كما استهدفتها رؤيا التحديث الاقتصادي ..
حمى الله الأردن ارضا وشعبا وقيادة..