الحوار الذي اداره الزميل القدير هاني البدري مع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في الجامعة الاردنية يحسب للرئيس وليس عليه.

كان الرئيس واضحا في تشخيص قضايا ومشاكل الوطن، لم يجمّل الصورة، ولم يضع المساحيق ليبدو المستقبل جميلا والامور قمرا وربيع.

الرئيس لا ينتظر مني فزعة، لأنه لا يحتاجها، وان اراد التعامل باسلوب الفزعات فلديه عشرات الادوات للوصول اليها.

اعرف الرئيس عن قرب منذ عشرات السنوات، مباشرا في حديثه، واضحا في طرحه، لا يجامل، يضع النقاط على الحروف، يعترف بوجود الخلل ويسعى الى اصلاحه.

وضوح الرئيس وصدقه في لقاء الاردنية حمل مضامين هادفه مفادها ان تشخيص المشكلة وتحديدها أفضل الف مرة من السكوت عنها ومعالجة موضع الألم وترك جذر المشكلة حتى تتفاقم وتنفجر.

الرئيس افصح عن قضايانا الاقتصادية والمجتمعية والسياسية، ثم تحدث عن الحل الذي تنتهجه الحكومة تجاه كل قضية، برؤية واضحة المعالم.

رؤساء قبله تعاملوا بهذا النهج، واخرون كانوا يصمتون ولا يعلقون، لكل رئيس طريقته، منهم من يواجه الازمات ويضع الحلول، ومنهم من يرحّل الازمات الى حكومات قادمة، وهي أسهل الطرق وايسرها واكثرها امنا.

رغم انه ابن وزارة الخارجية، وابن الدبلوماسيه بامتياز، الا انه لم يكن دبلوماسيا وهو يصف الامور بمسمياتها، ويسمي المشكلات باسمائها، يقف عند كل نقطة، يتحدث عنها ويتحدث عن المعالجات التي اتخذتها الحكومة من كحلول.

يحسب للرئيس اطلالته المباشرة على كافة تفاصيل المشهد الاردني محليا وعربيا وعالميا، ليس فقط لأنه يمتلك رؤية ورأي، بل لأنه يفصح عن هذا الرأي بكل جرأة، حتى وان كان رأيه لا يصب في خانة الشعبية لحكومته، قالها قبل ذلك في مناسبات متعددة: (لا نبحث عن شعبية، بل نبحث عن حلول).

بشكل عام، اسهل شيء على المسؤول هو تسجيل الشعبويات، والحديث عن وعود مستقبلية لا تتحقق، من السهل في موقع رئيس الوزراء، ايا كان ان يخاطب الجانب العاطفي للمواطن، وان يحصل على (التصفيق) المترافق بحالة الإعجاب لما يقول.

لكن من الصعب، ان تواجه الاردنيين بمشكلاتهم وقضاياهم، من الصعب جدا ان تقول الحقيقة الكاملة، فقول الحقيقة له ثمن، والرئيس يعرف الثمن تماما، يعرف ان الكثير لن يعجبه ان تكون صريحا وواضحا، فالصراحة والوضوح في السياسة كمن يمشي في حقل الغام مرغما.

اقدّر للرئيس انه اختار ان يمشي في حقل الغام، مكشوف اليدين والظهر كما كل الاردنيين، رغم انه يستطيع ان يمشي في حقل من الورود، ويعدي السنه القادمة، وتمشي الامور (مثل الحلاوة) كما يصفها الاردنيون، لكنه بتركيبته اختار الطريق الصعب والمتعب، يعرف انه لن يكون الا صادقا مع قيادته ومع الشعب، يعرف ان العمليات الجراحية الصعبه تحتاج الى تشخيص صعب، مشكلة الاردنيين دائما وابدا كانت وما زالت في التشخيص، (الامور تمام، كل اشي كويس، المستقبل مشرق وجميل) لكننا نجد اننا (فتنا في الحيط) واحيانا نجد اننا (وقعنا في حوض النعنع) وه?ا مصطلحات جميلان يمثلان كيف تنفجر القنبلة في وجوهنا.

لست متفقا مع الرئيس في كل ما قاله، لكنني متفق معه في نهج الصراحة والصدق والوضوح والشفافية، وهذا ما تتطلبه المرحلة، اضاعة الوقت ليس في صالحنا، المشكلة التي يمكن حلها بسهولة اليوم، ستكون مكلفة وطنيا يوم الغد، الحكومات تتخذ قرارات وتمشي والمواطن يدفع ثمن هذه القرارات، فان كانت قرارات صائبة دفع ثمنها لمرة واحدة، وان كانت خاطئة دفعنا ثمنها عدة مرات.

رئيس الوزراء يجب ان يكون (قلبه ميّت) بالمعنى الشعبي للكلمة، بمعنى ان يتجرد من العاطفة، هذا بالضبط ما ظهر به بشر الخصاونة، تماما مثل الطبيب الجراح الذي يمسك بالمشرط ليخلص المريض من الالم، فان كان عاطفيا سترتجف يده وسيموت المريض بين يديه، وان تجرد من عاطفته، وكان (قلبه ميّت) ستنجح العمليه وسيعود المريض الى الحياة.

الرأي