الطبع الذي نشأتُ عليه هو أنّه في حال كان لدي رأي ما أو نصيحة ما أرى أنّها صائبة بخصوص موضوع معين أو موقف معين.. فإنّ الوازع الأخلاقي يُملي عليّ أن أخبر الشخص المعني بهذا الرأي أو النصيحة.
قد يكون رأيي أو نصيحتي خطأ، هذه مسألة أخرى، ولكن الفكرة أنّ هناك شيء ما في داخلي يشعر بالضيق والتقصير والذنب في حال كان لدي شيء أشعر أنّه يجب أن يقال لشخص أعرفه أو يهمني أمره وحجبت عنه هذا الكلام.
نفس الطبع ينطبق على تعاملي في سياق العمل أو التعاطي مع الشأن العام.
ولا أذكر مرة في حياتي أنّني أعطيتُ رأيا أو أسديتُ نصيحة لتصب في مصلحتي الشخصية، أقول فقط ما أؤمن بيني وبين نفسي أنّه صواب ويصبّ في مصلحة الشخص المعني.
الدروس التي تعلمتها خلال حياتي بالتجربة والخطأ و"الدفع من كيسي" جرّاء هذا الطبع هي:
الدرس الأول: الرأي لا يُعطى والنصيحة لا تسدي إلا لمن يطلبهما.
الدرس الثاني: في كثير من الأحيان الشخص مقابلك لا يحتاج إلى رأي أو نصيحة، هو يعرف الصح و"غارش"، وأنت برأيك ونصيحتك تستثير حنقه حين تذكّره بما يحاول تناسيه أو تجاهله أو التغابي عنه. وأكثر ما تنطبق هذه النقطة على المسائل المتعلقة بالدين والسياسة وسلوك السلطة.
الدرس الثالث: بعض الأشخاص يبلغ بغضهم الشخصي لك وحنقهم عليك درجة تجعلهم يرفضون الرأي والنصيحة فقط لأنّهما صدرا عنك، ويصرّون على فعل النقيض "دقارة" و"مكابرة" حتى لو أدّى الأمر إلى "خوزقة" أنفسهم.
الدرس الرابع: كثيرون لا يحملون رأيك ونصيحتك على محمل حبّك لهم وحرصك عليهم، بل يعتبرون ذلك انتقادا شخصيا لهم، أو انتقاصا من فطنتهم وذكائهم، أو محاولة "للتعليم" عليهم والتحكّم بهم. وأكثر فئة تنطبق عليها هذه النقطة هي الصبايا والنساء!
الحديث المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "الدين النصيحة..."، ولكن الأهم من النصيحة هو معرفة كيفية "إدارة النصيحة"!