حوار الرئيس وحديث الموالاة
د.طلال طلب الشرفات
24-06-2023 12:33 AM
كانت الهوية الوطنية الأردنية في بداية تسعينات القرن الماضي تتعرض لضغوط ومحاولات إختطاف؛ وقتذاك آثرت الجنوح الى المعارضة الوطنية في إطار الحركة الوطنية الأردنية، وجبت بعض أقطار العروبة مع وفود المعارضة الأردنية والعربية التي أوسعت -للأسف- الأردن نظاماً وسلطات وهوية شتماً وتشويهاً، ولم ألمس موقفاً إيجابياً تجاه الوطن إلا موقفين: إحداهما في بغداد لحمزة منصور، وآخر في صنعاء لتوجان فيصل، والملفت للنظر أنّ الأنظمة الحاكمة في تلك الدول كانت أكثر رحمة بوطننا وكينونتنا من أبناء جلدتنا، الذين كانوا يصرّون على عدّ الدور الأردني دوراً وظيفيًّا في خدمة الإمبريالية والصهيونية، وأدركتُ وقتها أنّ قيم الموالاة للدولة، ومؤسسة العرش، والهوية، مستهدفةٌ استهدافاً يهدد الوطن بأكمله؛ لذا عدنا والعود أحمد.
سقت هذه المقدمة لأوضحَ لماذا يتوجب علينا أن نتفهم مآلات الرأي والرأي الآخر؟ ومتى كانت مساحات النقد تحاكي الصالح العام، وتتناغم معه، وتقدم حلولاً وبدائل تخرج عن دائرة الشتم، والردح، والاستعراض، وتحترم حدود اقتحام الشخصية العامة في كل سلطات الدولة، ومؤسساتها، وتقبل الآراء التي تسند الحكومة- أي حكومة - كجزء من التزامات الموالاة بأعتبارها أغلبية حاكمة وفق المعايير الديمقراطية المستندة إلى ثقة مجلس النواب؟
حديث الرئيس كان واقعياً، ومشبعاً بالأمل المستند إلى خطط اشترك فيها الجميع، وبوح الخصاونة كان صادقاً منزوعاً من شبق خطب ود السفارات، ومراكز الرصد الأجنبي، كان حديثاً وطنياً صادقاً، يخلو من شهوة ترحيل الأزمات، وتسليم الحكومة القادمة ملفات مثقلة بالوهم، الذي ما زال بعض الشاتمين يرنون لشرائه من أجل إضعافها، وتهميش دورها الوطني والإقليمي من خلال استباحة مضامين تماسك الدولة وسلطاتها، وأول أدواتها هم رواد السفارات، وأولئك العالقون في مساحات الردح، وأقبية الليل المتخمة بمظاهر التآمر والأقصاء.
حكومة الخصاونة حكومة وطنية، وفريقها يشبهنا لوناً، ونزاهة، وانضباطاً، وانسجاماً، واستقامة، وتعمل على تنفيذ مسارات التحديث الثلاث بحيوية وانضباط، ومن يريد رحيلها عليه أن يغادر دوائر الشتم، والردح إلى أفق النقد المباح المقنعة لصاحب الشأن الدستوري أو مجلس النواب، دون ذلك نكون قد دخلنا إلى أساليب الأستعماء عن المسارات الدستورية التي يجب أن يلتزم بها الجميع، والخيارات الوطنية التي يجب أن تمارسها الحكومة دون إبطاء.
حوار الرئيس كان أكثر من جرئ، ويعكس أخلاقه السياسية المفعمة بطهر الأرض، هذا الرئيس منا ولنا، ولن يخذلنا لأنه يعي شرف التكليف الملكي الغالي، ويخجل من عرار وقدسية التراب، ويعي تماماً أن أي إنحراف - لا سمح الله - عن المسار الوطني النبيل سيحاكم أمام الوطن في مضافة الموسى في إيدون؛ ولذلك قال ما يجب أن يقال في هذا الظرف الوطني الدقيق، وأثقل على كارهيه فصل المقال.
لم يقل الرئيس شيئاً يستحق هذا الصلف في الهجوم، وقوى الوسط المحافظ باعتبارها تجسّد قيم المولاة الحقيقية لمؤسسة العرش، والحكم مدعوة اليوم لتوحيد خطابها لأسناد الحكومة في تبني التوجيهات الملكية السامية في التحديث، والتطوير السياسي، والاقتصادي، والإداري، وفي مقدمتها أحزاب الوسط بعيداً عن الرغائبية، وأمنيات الرحيل للحلول مكانها؛ لأن الوطن وقيمه الحيّة هي الأولى بالتبني حتى لا يقال يوماً" اكلت يوم اكل الثور الأبيض".