زيارات عربية لموسكو في زمن الحرب
د.حسام العتوم
21-06-2023 01:40 PM
يسهل رصد الزيارات الرئاسية العربية وعلى مستوى الخارجية وعبر الجامعة العربية لموسكو في فترة العملية العسكرية الروسية الخاصة التحريرية الدفاعية الإستباقية غير الاحتلالية والتي تطلق عليها العاصمة "كييف" مصطلح الحرب لدحر (الاحتلال والعدوان الروسي)، ويطلق عليها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مجتمعا مصطلح (الاحتلال والعدوان الروسي)، وهي على ما يبدو صيغة متفق عليها بين " كييف " و" عواصم الغرب " وأجهزتهم اللوجستية، والاختلاف بينهما بطبيعة الحال على من بدأ الحرب ؟ وعلى تفسير مصطلح سيادة أوكرانيا بين عامي 1991 و2022 وبعد ذلك إلى يومنا هذا، والعالم يعيش هاجس امتداد حرب لا يراد لها أن تنتهي، ولقد أكد قولي هذا رئيس روسيا السابق نائب رئيس مجلس الأمن القومي دميتري ميدفيديف بقوله قبل فترة وجيزة من الزمن بأن الحرب سوف تستمر عشرات السنوات ويتخلل المدد الزمنية الحربية المقبلة هدن متقطعة، وكتابي (الحرب التي يراد لها أن لا تنتهي الروسية الأوكرانية ومع (الناتو) بالوكالة) الصادر هذا العام 2023 يؤكد الحدس الروسي في مجال الحرب.
ورغم صعوبة تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية محايدة في وقتنا الحاضر لمعرفة من بدأ الحرب ؟ وكيف بالإمكان تفسير سيادة أوكرانيا، فإن الحقيقة وما وراءها لا تغطى بغربال، فلقد رصدت روسيا الإتحادية تحرك رمال الثورات البرتقالية الأوكرانية بجهد لوجستي غربي منذ زمن الرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كوجما قبل عام 2005، وحراك التيار البنديري الأوكراني المتطرف القادمة جذوره من أتون الحقبة الهتلرية في الحرب العالمية الثانية 1941 1945 وقبل ذلك، واستوعبت روسيا بأن انقلاب " كييف " الدموي وغير الشرعي عام 2014 استهدفها عبر طرد واستهداف آخر رئيس أوكراني موالي لروسيا مثل فيكتور يونوكوفيج، ورصدت بعد ذلك سماح "كييف" لأمريكا بنشر أكثر من 30 مركزاً بيولوجياً خبيثاً ضاراً بالتجمع البشري السلافي والسوفيتي السابق والروسي الحالي، والشروع بصناعة قنبلة نووية وأخرى نووية مخفضة قذرة، وتطاول للعاصمة " كييف " ولعواصم الغرب خاصة " وفي مقدمتها " واشنطن " على مشروع الغاز الروسي " نورد ستريم 2 "، وعلى جسر " القرم "، واغتيال صحفيين روس مثل داريا غودينا وفلادلين تاتارسكين، واختراق للحدود الروسية والاعتداء على بلدات روسية مجاورة، وعلى مدينة " بيلغاراد " الحدودية.
وقابل هذه المعادلة اجتماعات لوجستية غربية مع الرئيسين الأوكرانيين (بيترو باراشينكا وفلاديمير زيلينسكي) ومع الجيش الأوكراني وصنوف من التيار البنديري بهدف تحريض " كييف " على تحرير " القرم والدونباس " من السيطرة الروسية في وقت أعلنت فيه موسكو بأن لها أحقية تاريخية وسط الأراضي الروسية التي امتلكتها منذ زمن الأمبراطورة يكاتيرينا الثانية وفلاديمير لينين ونيكيتا خرتشوف، وبأن عمليتها العسكرية تحريرية غير احتلالية لأراضٍ أوكرانية روسية الأصل أسيء استخدامها من قبل "كييف"، وبأنها أي موسكو لم تعلن الحرب حتى الساعة، وبأن حربها الحقيقية هي مع حلف " الناتو " إن اختارها فعلا، وبأن القرم لن يكون شاطئا في يوم من الأيام للأسطول السادس الأمريكي بينما هو الأسطول الروسي النووي العملاق راسيا في مياهه، وضخ غربي لأموال سوداء طائلة وشحن لأسلحة حديثة ومنها الثقيلة وبحجم تجاوز الـ150 مليار دولار والهدف الإضرار بروسيا والصين معاً، وديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح ولكي لا تنتصر روسيا وليبقى القطب الأوحد مسيطراً ومتغولاً على أقطاب العالم كافة، لكن هيهات فها هي روسيا الاتحادية تشارف على رفع علم نصرها كم رفعته في الزمن السوفيتي فوق الرايخ الألماني عام 1945.
من رؤساء العرب الذين هبطت طائراتهم في موسكو زمن العملية الحرب رئيس دولة الأمارات العربية المتحدة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس دولة فلسطين محمود عباس، ورئيس دولة الجزائر عبد المجيد تبون، ووزراء خارجية الأردن، والجزائر، والسودان، والعراق، ومصر، وأمين عام الجامعة العربية، والتقوا سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا في موسكو ودميترو كوليبا وزير خارجية أوكرانيا في وارسو، وزيارة ناجحة لسيرجي لافروف وزير خارجية روسيا للأردن ولقاء جلالة الملك عبدالله الثاني وللإمارات ولقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لتحريك قنوات السياسة الروسية العربية والتأكد من فاعليتها، واستقبال دافيء للرؤساء العرب في قصر الكرملين الرئاسي في موسكو أيضاً من قبل رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين، والمعروف هو بأن موسكو تعتبر الشرق العربي والأوسطي الأقرب لروسيا وهكذا تطلق عليه باللغة الروسية لقب " الشرق القريب "، ولقد شكلت العملية العسكرية الروسية الخاصة استدارة روسية تجاه شرق وجنوب العالم وتجذيف تجاه عالم متعدد الأقطاب وعزوف عن أحادية القطب الراغب في مواصلة التغول والسيطرة على أركان العالم وهو المتعالي والمتغطرس ومفتعل الأزمات والحروب الدولية علنا، والممارس للإزدواجية السياسية وضح النهار ومثلي هنا عقوبات على روسيا بسبب ادعاء " كييف " و" الغرب " بإحتلال روسيا لأوكرانيا وتناسي رفض الأقاليم الأوكرانية وعبر صناديق الاقتراع للأنضمام لـ" كييف "، والتصويت وبنسب مئوية مرتفعة وعلنا لصالح الانضمام لروسيا وليس للغرب بطبيعة الحال، ورفض الغرب الأمريكي منذ عام 1967 إدانة ( إسرائيل ) المحتلة للأراضي العربية منذ الرابع من حزيران أو توجيه عقوبات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية بحقها كما تفعل مع روسيا القطب والدولة العظمى.
ولقد عرضت دولة الأمارات العربية مشروعاً للصلح بين روسيا وأوكرانيا " كييف "، ورحبت موسكو – بوتين به وتم الأكتفاء بدور الإمارات في تسهيل عودة أسرى الحرب من الجانبين الروسي والأوكراني إلى ديارهم، وبتقديم مساعدات إنسانية للمتضررين من الحرب الأوكرانية، والجدير ذكره هنا هو أن " كييف – باراشينكا " ماطلت في تنفيذ اتفاقية " مينسك 1+2 " وزيلينسكي رفض الاتفاقية والحوار المباشر مع موسكو، وساندهما الغرب، وفرحت أمريكا ومعها بريطانيا خاصة لإندلاع الحرب، ويريد الغرب للحرب أن تُحوّل إلى نار خالده لديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح ولضمانة عدم انتصار روسيا، لكن روسيا الحضارة والتاريخ والأكثر تمسكاً بالقانون الدولي تعي ذلك لدرجة أن عمليتها العسكرية تحركت وعبرت إلى الأراضي الأوكرانية السابقة بتاريخ 24 شباط 2022 من بوابة القانون الدولي وتحديداً من مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 7/51 التي تخول الدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن نفسها، ومن زاوية الأحقية التاريخية السيادية التي لا تقبل الجدل مع الغرب، وهو ما حصل فعلاً وبعيداً عن الدعاية الرمادية والتضليل السياسي والإعلامي.
ولقد انتقد الرئيس الفلسطيني عباس أمريكا مباشرة أمام الرئيس بوتين وقال بأنه لا يثق بها، وتحدث في مكان آخر لو أن أمريكا أرادت خيراً للقضية الفلسطينية عبر حل الدولتين لتحققت العدالة، وفي المقابل لا تضغط على (إسرائيل) لكي تخرج من أراضي العرب، وعرض الرئيس الجزائري تبون مشروعاً تصالحياً بين روسيا وأوكرانيا " كييف " قوبل بإرتياح موسكو- بوتين، لكن خيوط الصلح الروسي – الأوكراني الممثل بالعاصمة " كييف " أصبح أكثر تعقيداً بسبب تدخل الغرب السافر في الحرب، والمعروف هو بأن لوبيات سياسية ولوجستية ومالية غربية تعيق تحقيق السلام الروسي ومع " كييف " وعيونها على ضمانة خسران روسيا للحرب، وهو الذي لن يتحقق، واللوبيات راغبة ببقاء أحادية القطب واندثار تعدد الأقطاب، وهي منتصرة لا محالة، وجيشها العملاق على المستووين التقليدي والنووي والمتفوق نوعاً على " الناتو " لا يهزم.