فسخ عقد الايجار لعذر طارئ .. بين الشريعة والقانون
المحامية ايناس الفقهاء
20-06-2023 04:18 PM
عندما يعرض نزاع على القضاء موضوعه فسخ عقد ايجار فإنه وكأصل عام يجب على المحكمة أن تطبق قانون المالكين والمستأجرين رقم 11 لسنة 1994 وتعديلاته في حال لم تكن هذه العقارات من العقارات المستثناة من احكام هذا القانون، فإذا لم تجد المحكمة نصا فيما يتعلق بالنزاع المعروض أمامها فإنه يتعين عليها تطبيق أحكام القانون المدني.
وهنا يثار السؤال التالي:
إذا أبرم عقد ايجار ونشأ ورتب التزامات متقابلة على طرفيه كونه عقد ملزم للجانبين، فإذا اعترى أحد العاقدين بموجب عقد الايجار عذر طارئ أجبره على فسخ عقد الايجار هل يمكنه أن يتحلل منه بإرادته المنفردة؟
للإجابة عن هذا التساؤل لا بد ابتداء من الإشارة إلى ما يلي:
لدى الرجوع للأحكام العامة لعقد الإيجار المنظمة ضمن القانون المدني رقم 43 لسنة 1976، وتحديدًا المادة 710 من ذات القانون والتي نصت: "يجوز لاحد المتعاقدين لعذر طارئ يتعلق به ان يطلب فسخ عقد الايجار وحينئذ يضمن ما ينشأ عن هذا الفسخ من ضرر للمتعاقد الاخر في الحدود التي يقرها العرف."
وبالتالي فإن الكاتبة تبدي لكم أن القانون المدني أجاز فسخ عقد الايجار بالعذر الطارئ الخاص لأحد أطراف عقد الايجار في حال توافر لديه عذر طارئ يتعلق به، وبذات الوقت فإن المشرع أوجب تعويض المتعاقد الآخر بما يعتريه من ضرر جرّاء هذا الفسخ.
وهذا ما كرسته أيضًا المادة (205) من ذات القانون والتي نصت: "اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي وان لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للمحكمة تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان ترد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك. ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك."
وبالتالي كأصل عام وبموجب النصين المذكورين أعلاه فإن المتعاقد الذي يصيبه عذر طارئ يحول دون الاستمرار في تنفيذ الالتزام الذي رتبه بذمته عقد الايجار فإنه يستطيع أن يتحلل من هذا الالتزام، ولكن يثار الجدل حول الاثر المترتب على هذا العذر، أي فيما إذا كان المتعاقد الذي أصابه هذا العذر الطارئ يستطيع التحلل من العقد وفسخ العقد بارادته المنفردة دون اللجوء إلى حكم قضائي أم لا بد من الحصول على حكم قضائي بهذا الشأن؟
ويرى جانب من الفقه أنه ولدى الرجوع إلى نص المادة الثالثة من القانون المدني والتي نصت: "يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته الى قواعد اصول الفقه الاسلامي."
"وبالتالي وعلى ضوء تباين احكام الفقه الإسلامي في هذه المسألة الا ان الراجح فيها هو انه اذا كان العذر ظاهرا فان العاقد ينفرد بالفسخ دون حاجة الى حكم المحكمة، اما اذا كان العذر خفيًا فان الفسخ بحاجة الى حكم القاضي، وكذلك اذا كان يوجب هذا العذر العجز عن المضي بموجب العقد شرعا فان الايجارة تنفسخ بنفسها، وفي حال كان العذر لا يوجب العجز عن المضي بموجب العقد شرعا فان الايجارة لا تنفسخ الا بالفسخ."
وهنا ترى الكاتبة أنه – مع الاحترام الوفير لرأي الفقه الأكرم- إلا أنها لا تتفق معه فيما يتعلق بهذا الشق، إذ أنه بادئ ذي بدء وللإجابة عن هذا التساؤل لا بد من الإشارة إلى أن عقد الايجار هو عقد ملزم للجانبين، وبالتالي لا بد من الرجوع إلى القاعدة العامة التي كرسها المشرع الأردني والمتمثلة بما ورد بموجب المادة (241) من القانون المدني والتي نصت:
"اذا كان العقد صحيحا لازما فلا يجوز لاحد العاقدين الرجوع فيه ولا تعديله ولا فسخه الا بالتراضي او التقاضي او بمقتضى نص في القانون."
كما أنه لا بد من الرجوع إلى نص المادة المادة الثانية من القانون المدني ذاته والتي نصت:
" 1. تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بالفاظها ومعانيها ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص .
2. فاذا لم تجد المحكمة نصاً في هذا القانون حكمت باحكام الفقه الاسلامي الاكثر موافقة لنصوص هذا القانون ، فان لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية.
3. فان لم توجد حكمت بمقتضى العرف ، فان لم توجد حكمت بمقتضى قواعد العدالة ، ويشترط في العرف ان يكون عاما وقديما ثابتا ومطردا ولا يتعارض مع احكام القانون او النظام العام او الآداب . اما اذا كان العرف خاصا ببلد معين فيسري حكمه على ذلك البلد.
4. ويسترشد في ذلك كله بما اقره القضاء والفقه على ان لا يتعارض مع ما ذكر."
وهذه المادة رتبت النطاق الموضوعي للقانون على النحو المذكور أعلاه وبالترتيب المذكور أعلاه، فإنه يتعين ابتداءً إعمال نص القانون، فإن لم تجد نص تحكم المحكمة بأحكام الفقه الإسلامي، كما لا بد من الإشارة إلى أنه إذا كان النص واضح فلا مساغ للاجتهاد في مورد النص، وبالتالي وبإعمال كل من المادة: 2، 205، 241، 710 من القانون المدني فإن الكاتبة ترى أنه إعمالأ للنصوص المذكورة -وبتفسير النص الذي لا حاجة لتفسيره لوضوحه ولوجود قواعد عامة أخرى تنظمه- وإعمالاً لمبدأ استقرار المعاملات والمحافظة على الحقوق وصيانتها والذي كرسته المذكرة الايضاحية للقانون المدني في أكثر من مادة، بالتالي لا بد من اللجوء للقضاء عند فسخ عقد الايجار لوجود عذر طارئ لطرفي العقد يحول دون استمرار التعاقد في حال تعذر فسخه بالتراضي بين طرفيه.