من العبث التنظير في قضية أحداث الجامعة الأردنية الأخيرة بمعزل عن فهم السياق المجتمعي والجامعي الممتد على مدار أكثر من عقدين، وعليه فإن الذهاب لتحميل إدارة الجامعة الأردنية مسؤولية ما حدث لهو شكل من أشكال الظلم والتضليل التي لا تساهم في حل المشكلة. فالقضية أكبر من أن يتحمل مسؤوليتها شخص بعينه أو أن شخصا ما كان يمكن له استباق ما حدث ومنعه. فمعالجة ظاهرة العنف الجامعي تتطلب اجراءات على المديين القصير والطويل حتى نضمن أن تكون هناك بيئة أكاديمية صالحة بشكل يرقى لطموحات القائمين على الجامعة والمجتمع المحلي.
ما سبق بطبيعة الحال لا يعفي القائمين على الجامعة من ضرورة العمل، فرئيس الجامعة الدكتور عادل الطويسي له رؤية كاملة عبر عنها في لقاء جمعنا به، وبعد الاستماع له تبيّن لي على الأقل أن بوسعه خلق ديناميكية اقتلاع العنف الجامعي من جذوره إن سمح له العمل دون تدخلات تصل لحد التواطؤ مع العنف الجامعي. فما أن أعلن عن عزمه تطبيق الأنظمة والتعليمات الجامعية- لأننا من المفترض أن نعيش في دولة المؤسسات والقانون وما يتطلبه من استقلالية إدارة الجامعات- حتى بدأت التدخلات ل «حماية» مثيري الشغب من الطلبة الذين يجب أن لا يكونوا فوق القانون ويجب أن يعاقبوا وفق القوانين الموجودة، فلسنا بحاجة لاختراع العجلة من جديد إذ أن القوانين الموجودة قادرة على خلق الردع المناسب.
إذا أردنا بالفعل مساعدة رئيس الجامعة في خلق البيئة الآمنة والمناسبة لأبنائنا من الطلبة، علينا أن نتحلى بالمسؤولية وأن نحمي الجامعة بدلا من مهاجمتها من معشر المتدخلين الذين من أجل كسب بعض الأصوات في إنتخابات يريدون ممارسة كل أشكال الضغط لثني الرئيس عن القيام بعمله، وبعدها يلقى اللوم على رئيس الجامعة!
إدارة الجامعة تقول إن أحدا لا يمكن أن يكون فوق القانون، وهذا كلام مسؤول علينا دعمه لا تقويضه. والجامعة أجرت انتخابات انتجت مجلسا ممثلا لكل الاتجاهات السياسية السائدة في المجتمع الأردني، وبدلا من أن يحسب هذا الانجاز لإدارة الجامعة حاول البعض التقليل من أهميته، وليت الأمر توقف عند هذا الحد إذ أن البعض ربط بين النتائج الممثلة والعنف، أهناك تضليل أكثر من هذا؟!
غير أن الأمر لا يتوقف عند وقف التدخلات وإنما يتعدى ذلك وهنا يقع على عاتق إدارة الجامعة التفكير جديا في برامج أكاديمية تعمل على تغيير سلوك الطالب الذي يلجأ للعنف لحل الخلافات أو إختلاقها، ومع ذلك فالجامعة تضم ما يقارب من 38 ألف طالب لا يلجأ للعنف إلا أقلية تفسد الجو الجامعي وتخلق انطباعا خاطئا بأن الجامعة هي مرتع العنف. والجامعة وحدها لا يمكن لها القضاء على ظاهرة العنف دون تعاون الجميع، فهناك تفشٍ لظاهرة عنف اجتماعي في المجتمع المحلي في السنوات الأخيرة بحاجة لدراسة وفهم حتى يتسنى وضع برامج وطنية لتغيير سلوك الناس.
البعض اقترح حلولا سريعة مع أن الأمر في الجامعة بحاجة لدراسة لتشخيص الوضع وفهم العلاقة السببية التي تنتج العنف كسلوك، لهذا قامت إدارة الجامعة بتكليف طاقم من المختصين لدراسة العنف الجامعي توطئة لتغير المناخ العام الذي يفرز ذاك العنف. صحيح أن إدارة الجامعة تعمل تحت ضغط بعض التغطيات التي عانت من قصور مهني أحيانا والتي تعتمد على الإثارة (sensation) لكن التصميم والإرادة ومقاومة التدخلات مهما غلا الثمن هي عناوين نجاح الإدارة في المساهمة في الحد من هذه الظاهرة.
على الجامعة أن تعترف بحجم المشكلة ولا تلجأ لأسلوب الطبطبة، وتحسن الإدراة صنعا إن هي قامت بالكشف عن وفضح المتدخلين (الواسطات على اعتبار أن الأمر يحل على فنجان قهوة) بصرف النظر عن هويتهم ومناصبهم. هنا يأتي الدعم الحكومي لتقوية ادارة الجامعة بدلا من تركها فريسة للتدخلات.
hbarari@gmail.com
الرأي