المسؤولية المجتمعية للأغنياء
علي السنيد
20-06-2023 10:48 AM
قبل نحو عقد من الزمان مضى، وانقضى من حياتي، وكنت حينها اعمل مديرا لاحدى الجمعيات الثقافية، وكنت افتقدت احد أصدقائي لأيام متواصلة، وعندما سألت عنه علمت انه كان مشغولا بتشييع وإقامة بيت عزاء لاحد الجيران الذي قضى وحيدا.
واثر ذلك التقينا، وكان يعروه الحزن العميق على ذلك الرجل الطاعن في السن الذي توفي بصمت ، ورحل عن الدنيا ، ولم يحضر بعض أبنائه الذين يقيمون في الخارج جنازته، ولم يكلفوا انفسهم عناء المجيء الى الأردن، والمشاركة في تشييع جثمان والدهم الذي دفن بمن حضر.
اخبرني حينها ان اشد ما يؤلمه ان هذا الراحل للتو ترك في الدنيا ملايين الدنانير والعقارات التي ستؤول الى أولئك العاقين من ابنائه، وتألمنا سويا على مصير هذا الانسان الذي لو وعى حقيقة الدنيا لكان ادخل السرور على قلوب المئات من المحزونين والفقراء، والمعوزين بماله الذي يذهب هباءً، ولكان ذاق حلاوة عمل الخير، وبلغ باحسانه محبة الله سبحانه وتعالى، وجنته وهو القائل في كتابه العزيز ”ان الله يحب المحسنين”.
غير انه رحل عن الدنيا لا يحمل معه شيء، وترك الاموال من خلفه لأولئك الابناء الذين لم يحظ منهم بمجرد نظرة وداع تليق به كأب.
هذه القصة تختصر جانبا من حياة بعض الأغنياء الذين يجمعون الملايين ويكنزونها، ويحرمون الفقراء منها، ويحرمون انفسهم من السعادة بها ، ذلك ان السعادة شعور مشترك يتولد عن اسعاد الاخرين ممن حرمتهم الدنيا متاعها، وعانوا من قلة ذات اليد.
ولا شك ان في محافظاتنا، وقرانا شرائح اجتماعية مهمشة اخفقت الحكومات في انتشالها من دائرة الفقر.
وهنالك من الاباء والمعيلين من يرزح تحت طائلة الديون على اثر التعليم الجامعي ، ويعجز عن الوفاء بأبسط متطلبات الحياة لاسرته.، ومنهم من يسددون الديون بديون حتى مضوا في دوامة لا تنتهي من الفقر والحرمان.
وفي المقابل يعيش بعض المترفين الحياة بلا ادنى مشاعر تربطهم بالفقراء في ذات المجتمع الواحد، وهم يتجاهلون حاجة المساكين، وربما يمنعون الزكاة، ولا يخرجونها وهي من حقوق الفقراء المفروضة شرعا حتى اذا ما جاءهم الموت بغتة اكتشفوا هشاشة الحياة ، وسراب التملك، والاماني الخادعة التي كانوا يطاردونها بلا طائل .
وذلك لعمري هو الخسران المبين فالاغنياء الذين يؤثرون اموالهم يعيشون، ويموتون دون ان يدركوا كنه الحياة، وسرها العظيم القائم على اننا كلنا نمثل ادورا مؤقتة على مسرحها الكبير، والعاقل من يجيد أداء دوره، ويقدم افضل ما عنده، ويرحل بسلام دون ان تخدعه لعبة الحياة في بريقها الاخاذ، ويصدق ان بقاءه متواصل فيها للابد، ونحن محض خيالات ستطويها يد الأيام يوما ما، ونقف امام الخالق سبحانه وتعالى تحت طائلة المحاسبة والمسؤولية.
و اصحاب المال، والاثرياء يمكن ان يشكل مالهم طوق النجاة لهم، ووسيلة لاكتشاف انسانيتهم، وطريقا رائعا الى السعادة المشتركة من خلال ادخال الفرحة على المساكين والبؤساء في هذه الدنيا فيسعدون، ويشعرون ان لحياتهم قيمة ، ومعنى بطلب رضى الله سبحانه وتعالى، و طرق أبواب الخير كلها، والعيش في عطاء دائم .
وانا استغرب عندما اتابع قصص واخبار الأنشطة الإنسانية الكبيرة على مستوى العالم التي يقوم بها اثرياء من أمريكا، واوروبا، وكيف ينفقون المليارات في مساعدة الشرائح المحتاجة للتمكين، ودعم حاجة بعض الدول الفقيرة في الحصول على المطاعيم ، او في مكافحة الامراض الخطيرة في المجتمعات الفقيرة . وتجد ان السيرة الذاتية الخاصة باثرياء العالم تؤكد ان عديدين منهم يضعون عشرات المليارات، وبعضهم جل ثرواتهم من اجل الاعمال الإنسانية الكبيرة رغم ان مجتمعاتهم تكاد تكون مكتفية، وتتوفر فيها مقومات العيش الكريم.
في حين ان مجتمعاتنا تجد فيها من المقتدرين من يتهربون عن اداء واجباتهم الدينية والوطنية، ولا يساهمون في تخفيف حدة الفقر والعوز الذي يمس بسلامة المجتمع.
انا ادرك ان هنالك محسنون كثر يحنون على المساكين، ويقومون بواجب وطنهم، ومجتمعهم في الرعاية ، ويتحسسون اوجاع الناس، ولكن الفقر معضلة كبيرة، ، ويحتاج الى جهود واسعة، و صحوة ضمير.
ونحن تلزمنا مبادرات خيرية كبيرة على مستوى الوطن يمكن ان يكون لها مردود حقيقي في التخفيف من حدة الفقر في تلك القرى، والمناطق المهمشة.