الصحافة الإلكترونية والنقد
د. صلاح جرّار
05-01-2011 12:13 AM
النقد ضرورة من ضرورات استمرار العمل الجادّ وإنجاحه وتطويره، لأنه يملك خاصّية الكشف عن الخلل الذي قد يصيب المؤسّسات والأعمال، وخاصية امتلاك القدرة على توجيه العمل نحو الالتزام بالمسارات التي تضمن نجاحه وصحّته والارتقاء بمستواه.
وحتى يتسنّى للنقد أن ينهض بهذا الدور المهم فإنه لا بدّ أن تكون له قواعده وأصوله التي لا يجوز تجاوزها أو الانحراف عنها، فالناقد مثل المربّي أو المعلّم متى تجاوز حدود الثواب والعقاب أو خرج على أصول العدل والإنصاف فإنه يضرّ بالمتعلّم وتنتفي الحكمة والغاية من عمله.
ومع أنني لا أرى ضيراً في نقد الأشخاص، إلاّ أنني أرى ضرورة الالتزام بالأصول والقواعد والمعايير الأخلاقية في هذا النقد، فلا مانع من أن ينصبّ النقد على أداء الشخص في عمله ووظيفته وأن يجري تنبيهه على أخطائه التي يقع فيها أو إلى الأصول التي عليه أن يلتزم بها في عمله، مع التثبت من صحّة كلّ نقد يوجّه إليه، لأنّ على الناقد أن يكون موضوعيّاً ومتجرّداً ونزيهاً، وأن يتجنب إصدار الأحكام قبل أن يعززها بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، وأن لا ينطلق من مواقف مسبقة واعتبارات شخصية خالصة، وأن ينأى بنفسه عن التجريح والتشهير والمبالغة والافتراء والإساءة والبذاءة والمساس بالأعراض والخصوصيات الفردية.
إنّ نقد الأشخاص أمرٌ معترفٌ به في كثير من المناهج النقدية، وإن كانت معظم المناهج النقدية الحديثة تدعو إلى تحييد الأشخاص، وفي النقد الأدبي ثمة نظرية تعرف بنظرية "موت المؤلف" بمعنى تغييبه تماماً عن منتجه، وأن ينصبّ النقد على العمل الأدبي أو الفنيّ نفسه.
ولكن، ومع اعترافنا بحقّ الصحف الإلكترونية بتوجيه نقدها إلى الأشخاص، فإنني أدعو إلى أن تلتزم بتوجيه النقد إلى أدائهم وليس إلى أشخاصهم، وأن تلتزم بأخلاقيات العمل الصحفي، وأن تربأ بأنفسها عن أن تكون أدوات وأبواقاً لأناس أو موتورين أو ذوي مآرب خاصّة، لأن شرف المهنة يتطلب المحافظة عليها وعلى نقاء صورتها.
إنّ النيل من الآخرين بالشتم والتجريح والتشهير، هو عملٌ غير أخلاقي، يجعل ممّن يصدر عنهم مثل هذا العمل موضع شبهة، لأنّ الذي لا يتورّع عن الكذب والتزوير والافتراء على الآخرين لا يتورّع قطعاً عن اقتراف أيّ رذيلة أخرى مهما كانت.
إنّ مصلحة الوطن تقتضي أن نحافظ جميعاً على صورته المشرقة ووجهه الأخلاقي النبيل بعيداً عن أي صورة من صور الإسفاف والعبث.
salahjarrar@hotmail.com